بمعنى التكرير والإعادة كما أن صريح المثنى كذلك في نحو كرتين ثم جمع للمبالغة ، وقيل : جمع مثنية لاشتمال آياته على الثناء على الله تعالى أو لأنها تثنى ببلاغتها واعجازها على المتكلم بها ، ولا يخفى أن رعاية المناسبة مع (مُتَشابِهاً) تجعل ذلك مرجوحا وأنه حسن إذا حمل على الثناء باعتبار الإعجاز ، وفي الكشف الأقيس بحسب اللفظ أن (مَثانِيَ) اشتقت من الثناء أو الثني جمع مثنى مفعل منهما إما بمعنى المصدر جمع لما صير صفة أو بمعنى المكان في الأصل نقل إلى الوصف مبالغة نحو أرض مأسدة لأن محل الثناء يقع على سبيل المجاز على الثاني والمثنى عليه وكذلك محل الثني انتهى ، ووقوعه صفة لكتاب باعتبار تفاصيله وتفاصيل الشيء هي جملته لا غير ألا تراك تقول : القرآن أسباع وأخماس وسور وآيات فكذلك تقول : هو أحكام ومواعظ وأقاصيص مثاني ونظيره قولك الإنسان عروق وعظام وأعصاب إلا أنك تركت الموصوف إلى الصفة والأصل كتابا متشابها فصولا مثاني ، ويجوز أن يكون تمييزا محولا عن الفاعل والأصل متشابها مثانية فحول ونكر لأن الأكثر فيه التنكير وهذا كقولك : رأيت رجلا حسنا شمائل ، وقرأ هشام وأبو بشر «مثاني» بسكون الياء فاحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف وإن يكون منصوبا وسكن الياء على لغة من يسكنها في كل الأحوال لانكسار ما قبلها استثقالا للحركة عليها ، وقوله تعالى : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) قيل صفة لكتابا أو حال منه لتخصصه بالصفة ، وقال بعض : الأظهر أنه استئناف مسوق لبيان آثاره الظاهرة في سامعيه بعد بيان أوصافه في نفسه ولتقرير كونه أحسن الحديث.
والاقشعرار التقبض يقال اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضا شديدا وتركيبه من القشع وهو الأديم اليابس قد ضم إليه الراء ليكون رباعيا ودالا على معنى زائد يقال : اقشعر جلده وقف شعره إذا عرض له خوف شديد من أمر هائل دهمه بغتة ، والمراد تصوير خوفهم بذكر لوازمه المحسوسة ويطلق عليه التمثيل وإن كان من باب الكناية.
وقيل : هو تصوير للخوف بذكر آثاره وتشبيه حالة بحالة فيكون تمثيلا حقيقة ، والأول أحسن لأن تشبيه القصة بالقصة على سبيل الاستعارة هاهنا لا يخلو عن تكلف ، واستظهر كون المراد بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق ، والمعنى أنهم إذا سمعوا القرآن وقوارع آيات وعبده أصابتهم رهبة وخشية تقشعر منها جلودهم وإذا ذكروا رحمة الله تعالى عند سماع آيات وعده تعالى وألطافه تبدلت خشيتهم رجاء ورهبتهم رغبة وذلك قوله تعالى : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي ساكنة مطمئنة إلى ذكر رحمته تعالى ، وإنما لم يصرح بالرحمة إيذانا بأنها أول ما يخطر بالبال عند ذكره تعالى لأصالتها كما يرشد إليه خبر : سبقت رحمتي غضبي ، وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هي من عوارضها ولعله إنما لم تذكر هناك على طرز ذكرها هنا لأنها لا توصف بالاقشعرار وتوصف باللين ، وليس في الآية أكثر من نعت أوليائه باقشعرار الجلود من القرآن ثم سكونهم إلى رحمته عزوجل ، وليس فيها نعتهم بالصعق والتواجد والصفق كما يفعله بعض الناس ، أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : قلت لجدتي أسماء كيف كان يصنع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قرءوا القرآن؟ قالت : كانوا كما نعتهم الله تعالى تدفع أعينهم وتقشعر جلودهم قلت : فإن ناسا هاهنا إذا سمعوا ذلك تأخذهم غشية قالت : أعوذ بالله تعالى من الشيطان ، وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عامر عن عبد الله بن الزبير قال : جئت أمي فقلت وجدت قوما ما رأيت خيرا منهم قط يذكرون الله تعالى فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله تعالى فقالت : لا تقعد معهم ثم قالت : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا أفتراهم أخشى من أبي بكر وعمر ، وقال ابن عمر وقد رأى ساقطا من سماع القرآن فقال إنا لنخشى الله تعالى وما نسقط : هؤلاء يدخل الشيطان في جوف أحدهم ، وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة أنه قال في الآية هذا نعت أولياء الله تعالى قال : تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله تعالى ولم ينعتهم الله