قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ)(٦٨)
(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أمر بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى لما قاساه في أمر دعوتهم وناله من شدة شكيمتهم في المكابرة والعناد فإنه تعالى القادر على الأشياء بجملتها والعالم بالأحوال برمتها ، والمقصود من الأمر بذلك بيان حالهم ووعيدهم وتسلية حبيبه الأكرم صلىاللهعليهوسلم وأن جده وسعيه معلوم مشكور عنده عزوجل وتعليم العباد الالتجاء إلى الله تعالى والدعاء بأسمائه العظمى ، ولله تعالى در الربيع بن خيثم فإنه لما سئل عن قتل الحسين رضي الله تعالى عنه تأوه وتلا هذه الآية ، فإذا ذكر لك شيء مما جرى بين الصحابة قل : (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ) إلخ فإنه من الآداب التي ينبغي أن تحفظ ، وتقديم المسند إليه في (أَنْتَ تَحْكُمُ) للحصر أي أنت تحكم وحدك بين العباد فيما استمر اختلافهم فيه حكما يسلمه كل مكابر معاند ويخضع له كل عات مارد وهو العذاب الدنيوي أو الأخروي ، والمقصود من الحكم بين العباد الحكم بينه عليه الصلاة والسلام وبين هؤلاء الكفرة.
(وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) إلخ قيل مستأنف مسوق لبيان آثار الحكم الذي استدعاه النبي صلىاللهعليهوسلم وغاية شدته وفظاعته أي لو أن لهم جميع ما في الدنيا من الأموال والذخائر (وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي لجعلوا كل ذلك فدية لأنفسهم من العذاب السيئ الشديد وقيل الجملة معطوفة على مقدر والتقدير فأنا أحكم بينهم وأعذبهم ولو علموا ذلك ما فعلوا ما فعلوا ، والأول أظهر ، وليس المراد إثبات الشرطية بل التمثيل لحالهم بحال من يحاول التخلص والفداء مما هو فيه بما ذكر فلا يتقبل منه ، وحاصله أن العذاب لازم لا يخلصون منه ولو فرض هذا المحال ففيه من الوعيد والإقناط ما لا يخفى.
وقوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) أي ظهر لهم من فنون العقوبات ما لم يكن في حسابهم زيادة مبالغة في الوعيد ، ونظير ذلك في الوعد قوله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧] والجملة قيل : الظاهر أنها حال من فاعل (افتدوا).
(وَبَدا لَهُمْ) حين تعرض عليهم صحائفهم (سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي الذي كسبوه وعملوه على أن (ما) موصولة أو كسبهم وعملهم على أنها مصدرية ، وإضافة (سَيِّئاتُ) على معنى من أو اللام (وَحاقَ) أي أحاط (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي جزاء ذلك على أن الكلام على تقدير المضاف أو على أن هناك مجازا بذكر السبب وإرادة مسببه ، و (ما) محتملة للموصولية والمصدرية أيضا (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا) إخبار عن الجنس بما يغلب فيه ، وقيل : المراد بالإنسان حذيفة بن المغيرة ، وقيل : الكفرة (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) أي أعطيناه إياها تفضلا فإن التخويل على ما قيل مختص به لا يطلق على ما أعطي جزاء (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) أي على علم مني بوجوه كسبه أو بأني سأعطاه لما لي من الاستحقاق أو على علم من الله تعالى بي وباستيجابي ، وإنما للحصر أي ما أوتيته لشيء من الأشياء إلا لأجل علم ، والهاء للنعمة ، والتذكير لتأويلها بشيء من النعم ، والقرينة على ذلك التنكير ، وقيل : لأنها بمعنى الإنعام ، وقيل : لأن المراد بها المال ، وقيل : لأنها تشتمل على مذكر ومؤنث فغلب المذكر ، وجوز أن يكون لما في (إِنَّما) على أنها موصولة أي إن الذي أوتيته كائن على علم ويبعد موصوليتها كتابتها متصلة