إذا لم يتب. السادس عشر التعبير بصيغة المبالغة فيها. السابع عشر إطلاقها ، ومنع المعتزلة مغفرة الكبائر والعفو عنها من غير توبة وقالوا : إنها وردت في غير موضع من القرآن الكريم مقيدة بالتوبة فإطلاقها هنا يحمل على التقييد لاتحاد الواقعة وعدم احتمال النسخ ، وكون القرآن في حكم كلام واحد ، وأيدوا ذلك بقوله تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) فإنه عطف على ألا تقنطوا والتعليل معترض ، وبعد تسليم حديث حمل الإطلاق على التقييد يكون عطفا لتتميم الإيضاح كأنه قيل : لا تقنطوا من رحمة الله تعالى فتظنوا أنه لا يقبل توبتكم وأنيبوا إليه تعالى وأخلصوا له عزوجل.
وأجاب بعض الجماعة بمنع وجوب حمل الإطلاق على التقييد في كلام واحد نحو أكرم الفضلاء أكرم الكاملين فضلا عن كلام لا يسلم كونه في حكم كلام واحد وحينئذ لا يكون المعطوف شرطا للمعطوف عليه إذ ليس من تتمته ، وقيل : إن الأمر بالتوبة والإخلاص لا يحل بالإطلاق إذ ليس المدعي أن الآية تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبق تعذيب لتغني عن الأمر بهما وتنافي الوعيد بالعذاب.
وقال بعض أجلة المدققين : إن قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) خطاب للكافرين والعاصين وإن كان المقصود الأولى الكفار لمكان القرب وسبب النزول ، فقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : إن أهل مكة قالوا : يزعم محمد صلىاللهعليهوسلم أنه من عبد الأوثان ودعا مع الله تعالى إلها آخر وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له فكيف تهاجر وتسلم وقد عبدنا الآلهة وقتلنا النفس ونحن أهل شرك فأنزل الله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) إلخ.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول : لا يقبل الله تعالى من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا أقوام أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوه فنزلت هؤلاء الآيات وكان عمر رضي الله تعالى عنه كاتبا فكتبها بيده ثم كتب بها إلى عياش وإلى الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا.
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال : نزلت هذه الآيات الثلاث (قُلْ يا عِبادِيَ) ـ إلى ـ (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) بالمدينة في وحشي وأصحابه ونحلل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) بين المعطوفين تعليلا للجزء الأول قبل الوصول إلى الثاني للدلالة على سعة رحمته تعالى وأن مثله حقيق بأن يرجى وإن عظم الذنب لا سيما وقد عقب بقوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ) الآية الدال على انحصار الغفران والرحمة على الوجه الأبلغ فالوجه أن يجري على عمومه ليناسب عموم الصدر ولا يقيد بالتوبة لئلا ينافي غرض التخلل مع أنه جمع محلى باللام ، وقد أكد بما صار نصا في الاستغراق ، ولا يغني المعتزلي أن القرآن العظيم كالكلام الواحد وأنه سليم من التناقض بل يضره ، وكذلك ما ذكر من أسباب النزول انتهى ، وقد تضمن الإشارة إلى بعض مؤكدات الإطلاق التي حكيناها آنفا والذي يترجح فى نظري ما اختاره من عموم الخطاب في (يا عِبادِيَ) للعاصين والكافرين ، وأمر الإضافة سهل ، وإن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) مقيد بلمن يشاء بقرينة التصريح به في قراءة عبد الله هنا ، وكون الأمور كلها معلقة بالمشيئة ولا نسلم أن متعلق المشيئة التائب وحده ، وكونها تابعة للحكمة على تقدير صحته لا ينفع إذ دون إثبات كون المغفرة لغير التائب منافية للحكمة خرط القتاد. نعم لا تتعلق بالمشرك ما لم يؤمن لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨] فمغفرة الشرك مشروطة بالإيمان داخل فيمن يشاء لكن بالشرط المعروف ، واعتبار الشرط فيه لا يضر في عدم اعتبار شرط التوبة في العاصي بما دونه.