على جميع ما ذكر لكفار قريش كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وقيل : الضمير لليهود تكلموا في صفات الله تعالى وجلاله فألحدوا وجسموا وجاءوا بكل تخليط فنزلت.
وقرأ الأعمش حق «قدره» بفتح الدال ، وقرأ الحسن وعيسى وأبو نوفل وأبو حيوة (وَما قَدَرُوا) بتشديد الدال «حقّ قدره» بفتح الدال (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) الجملة في موضع الحال من الاسم الجليل و (جَمِيعاً) حال من المبتدأ عند من يجوزه أو من مقدر كأثبتها جميعا كما قيل ، وهو جار مجرى الحال المؤكدة في أن العامل منتزع من مضمون الجملة ، وفي التقريب هو حال من الضمير في (قَبْضَتُهُ) لأنه بمعنى مقبوضة وكان الظاهر أن يؤخر عنه وإنما قدم عليه ليعلم أول الأمر أن الخبر الذي يرد لا يقع عن أرض واحدة أو بعض دون بعض ولكن عن الأرضين كلها أو عن جميع أبعاضها. وجاز هذا التقديم لأن المصدر لم يعمل من حيث كونه مصدرا بل لكونه بمعنى اسم المفعول ، وقال الحوفي : العامل في الحال ما دل عليه قبضته لا هي ، وهو كما ترى ، و (يَوْمَ الْقِيامَةِ) معمول (قَبْضَتُهُ) وهي في الأصل المرة الواحدة من القبض وتطلق على المقدار المقبوض كالقبضة بضم القاف وجعلت صفة مشبهة حينئذ ، وجوز كل من إرادة المقبوضة والمعنى المصدري هنا ، والكلام على الثاني على تقدير مضاف أي ذوات قبضته أي يقبضهن سبحانه قبضة واحدة ، وقرأ الحسن «قبضته» بالنصب على أنه ظرف مختص مشبه بالمبهم ولذا لم يصرح بفي معه وهو مذهب الكوفيين ، والبصريون يقولون : إن النصب في مثل خطأ غير جائز وأنه لا بد من التصريح بفي.
وقرأ عيسى والجحدري «مطويات» بالنصب على أن «السماوات» عطف على «الأرض» مشاركة لها في الحكم أي والسماوات قبضته ، و «مطويات» حال من «السماوات» عند من يجوز مجيء الحال من مثل ذلك أو من ضميرها المستتر في (قبضته) على أنها بمعنى مقبوضته أو من ضميرها محذوفا أي أثبتها مطويات ، و (بِيَمِينِهِ) متعلق بمطويات أو على أن (السَّماواتُ) مبتدأ و (بِيَمِينِهِ) الخبر و «مطويات» حال أيضا إما من المبتدأ أو من الضمير المحذوف أو من الضمير المستتر في الخبر بناء على مذهب الأخفش من جواز تقديم الحال في مثل ذلك.
والكلام عند كثير من الخلف تمثيل لحال عظمته تعالى ونفاذ قدرته عزوجل وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإضافة إليها بحال من يكون له قبضة فيها الأرض جميعا ويمين بها يطوي السماوات أو بحال من يكون قبضة فيها الأرض والسماوات ويمين بها يطوي السماوات من غير ذهاب القبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو مجاز بالنسبة إلى المجرى عليه وهو الله عزّ شأنه ، وقال بعضهم : المراد التنبيه على مزيد جلالته عزوجل وعظمته سبحانه بإفادة أن الأرض جميعا تحت ملكه تعالى يوم القيامة فلا يتصرف فيها غيره تعالى شأنه بالكلية كما قال سبحانه : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الحج : ٥٦] والسماوات مطويات طي السجل للكتب بقدرته التي لا يتعاصاها شيء.
وفيه رمز إلى أن ما يشركونه معه عزوجل أرضيا كان أم سماويا مقهور تحت سلطانه جل شأنه وعزّ سلطانه فالقبضة مجاز عن الملك أو التصرف كما يقال : بلد كذا في قبضة فلان ، واليمين مجاز عن القدرة التامة ، وقيل :
القبضة مجاز عما ذكر ونحوه والمراد باليمين القسم أي والسماوات مفنيات بسبب قسمه تعالى لأنه عزوجل أقسم أن يفنيها ، وهو مما يهزأ منه لا مما يهتز استحسانا له ، والسلف يقولون أيضا : إن الكلام تنبيه على مزيد جلالته تعالى وعظمته سبحانه ورمز إلى أن آلهتهم أرضية أم سماوية مقهورة تحت سلطانه عزوجل إلا أنهم لا يقولون : إن القبضة مجاز عن الملك أو التصرف ولا اليمين مجاز عن القدرة بل ينزهون الله تعالى عن الأعضاء والجوارح ويؤمنون بما نسبه إلى ذاته بالمعنى الذي أراده سبحانه وكذا يفعلون في الأخبار الواردة في هذا المقام.