وهل يقول باب مدينة العلم على علم لم يفض عليك من تلك المدينة حاشاه ثم حاشاه وكذا ابن عمه العباس عبد الله. واستشكل هذا الخبر بأن فيه رسالة العبد وقد قالوا العبد لا يكون رسولا ، وأجيب بأن العبد فيه ليس بمعنى المملوك وهو الذي لا يكون رسولا لنقصان تصرفه ونفرة النفوس عن اتباعه بل هو أحد العبيد بمعنى السودان عرفا ولو قيل : إن العبد بهذا المعنى لا يكون رسولا أيضا لنفرة النفوس عن اتباعه كنفرتها عن اتباع المملوك قلنا : على تقدير تسليم النفرة إنما هي فيما إذا كان الإرسال لغير السودان وأما إذا كان الإرسال للسودان فليست هناك نفرة أصلا ، وظاهر لفظ ابن عباس أن ذلك الأسود إنما بعث في الحبش والتزام أنه لا يكون رسول من السودان أولاد حام مما لا يساعد عليه الدليل لأنه إن كانت النفرة مانعة من الإرسال فهي لا تتحقق فيما إذا كان الإرسال إلى بني صنفه ؛ وإن كان المانع أنه لا يوجد متأهل للإرسال في بني حام لنقصان عقولهم وقلة كمالهم فدعوى ذلك جهل والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته وكم رأينا في أبناء حام من هو أعقل وأكمل من كثير من أبناء سام ويافث ، وإن كان قد ورد قاطع من نبينا صلىاللهعليهوسلم أنه لا يكون من أولئك رسول فليذكر وأني به ثم إن أمر النبوة فيمن ذكر أهون من أمر الرسالة كما لا يخفى ، وكأنه لمجموع ما ذكرنا قال الخفاجي عليه الرحمة : في صحة الخبر نظر (وَما كانَ لِرَسُولٍ) أي وما صح وما استقام لرسول من أولئك الرسل (أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) بمعجزة (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فالمعجزات على تشعب فنونها عطايا من الله تعالى قسمها بينهم حسبما اقتضته مشيئته المبنية على الحكم البالغة كسائر القسم ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) بالعذاب في الدنيا والآخرة (قُضِيَ بِالْحَقِ) بإنجاء المحق وإثابته وإهلاك المبطل وتعذيبه (وَخَسِرَ هُنالِكَ) أي وقت مجيء أمر الله تعالى اسم مكان استعير للزمان (الْمُبْطِلُونَ) المتمسكون بالباطل على الإطلاق فيدخل فيهم المعاندون المقترحون دخولا أوليا ومن المفسرين من فسر المبطلين بهم وفسر أمر الله بالقيامة ، ومنهم من فسره بالقتل يوم بدر وما ذكرنا أولى.
وأبعد ما رأينا في الآية أن المعنى فإذا أراد الله تعالى إرسال رسول وبعثة نبي قضى ذلك وأنفذه بالحق وخسر كل مبطل وحصل على فساد آخرته.
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ) المراد بها الإبل خاصة كما حكي عن الزجاج واختاره صاحب الكشاف ، واللام للتعليل لا للاختصاص فإن ذلك هو المعروف في نظير الآية أي خلقها لأجلكم ولمصلحتكم ، وقوله تعالى : (لِتَرْكَبُوا مِنْها) إلخ تفصيل لما دل عليه الكلام إجمالا ، ومن هنا جعل ذلك بعضهم بدلا مما قبله بدل مفصل من مجمل بإعادة حرف الجر ، و (من) لابتداء الغاية أي ابتداء تعلق الركوب بها أو تبعيضية وكذا (من) في قوله تعالى : (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) وليس المراد على إرادة التبعيض إن كلا من الركوب والأكل مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر بل على أن كل بعض منها صالح لكل منهما. نعم كثيرا ما يعدون النجائب من الإبل للركوب ، والجملة على ما ذهب إليه الجلبي عطف على المعنى فإن قوله تعالى : (لِتَرْكَبُوا مِنْها) في معنى منها تركبون أو إن منها تأكلون في معنى لتأكلوا منها لكن لم يؤت به كذلك لنكتة.
وقال العلامة التفتازاني : إن هذه الجملة حالية لكن يرد على ظاهره أن فيه عطف الحال على المفعول له ولا محيص عنه سوى تقدير معطوف أي خلق لكم الأنعام منها تأكلون ليكون من عطف جملة على جملة.
وتعقبه الخفاجي بقوله : لم يلح لي وجه جعل هذه الواو عاطفة محتاجة إلى التقدير المذكور مع أن الظاهر أنها واو حالية سواء قلنا إنها حال من الفاعل أو المفعول والمنساق إلى ذهني العطف بحسب المعنى ، ولعل اعتباره في جانب المعطوف أيسر فيعتبر أيضا في قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) أي غير الركوب والأكل كالألبان والأوبار