وعنه بعض الأكابر أن إيمان البأس مقبول أيضا ومعنى (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أن نمس إيمانهم لم ينفعهم وإنما نفعهم الله تعالى حقيقة به ، ولا يخفى عليك حال هذا التأويل وما كان من ذلك القبيل والله تعالى أعلم.
«ومن باب الإشارة في بعض الآيات» على ما أشار إليه بعض السادات (حم) إشارة إلى ما أفيض على قلب محمد صلىاللهعليهوسلم من الرحمن فإن الحاء والميم من وسط الاسمين الكريمين ، وفي ذلك أيضا سر لا يجوز كشفه ولما صدرت السورة بما أشار إلى الرحمة وأنها وصف المدعو إليه والداعي ذكر بعد من صفات المدعو إليه وهو الله عزوجل ما يدل على عظيم الرحمة وسبقها ، وفي ذلك من بشارة المدعو ما فيه.
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) إلخ فيه إشارة إلى شرف الإيمان وجلالة قدر المؤمنين وإلى أنه ينبغي للمؤمنين من بني آدم أن يستغفر بعضهم لبعض ؛ وفي ذلك أيضا من تأكيد الدلالة على عظم رحمة الله عزوجل ما لا يخفى (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) بأن يكون غير مشوب بشيء من مقاصد الدنيا والآخرة (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) قيل : في إطلاق الروح إشارة إلى روح النبوة وهو يلقى على الأنبياء ، وروح الولاية ويلقى على العارفين ، وروح الدراية ويلقى على المؤمنين الناسكين (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) قيل التلاقي مع الله تعالى ولا وجود لغيره تعالى وهو مقام الفناء المشار إليه بقوله سبحانه : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) من قبول وجودهم (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) إذ ليس في الدار غيره ديار (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) من التجلي (بِما كَسَبَتْ) في بذل الوجود للمعبود (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) فتنال كل نفس من التجلي بقدر بذلها من الوجود لا أقل من ذلك.
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) هذه قيامة العوام المؤجلة ويشير إلى قيامة الخواص المعجلة لهم ، فقد قيل : إن لهم في كل نفس قيامة من العتاب والعقاب والثواب والبعاد والاقتراب وما لم يكن لهم في حساب ، وخفقان القلب ينطق والنحول يخبر واللون يفصح والمشوق يستر ولكن البلاء يظهر ، وإذا أزف فناء الصفات بلغت القلوب الحناجر وشهدت العيون بما تخفي الضمائر (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) خائنة أعين المحبين استحسانهم تعمد النظر إلى غير المحبوب باستحسان واستلذاذ وما تخفيه الصدور من متمنيات النفوس ومستحسنات القلوب ومرغوبات الأرواح (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) قيل أي اطلبوني مني أجبكم فتجدوني ومن وجدني وجد كل شيء فالدعاء الذي لا يرد هو هذا الدعاء ، ففي بعض الأخبار من طلبني وجدني (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) دعائي وطلبي (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ) الحرمان والبعد مني (داخِرِينَ) ذليلين مهينين (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) فيه إشارة إلى ليل البشرية ونهار الروحانية ، وذكر أن سكون الناس في الليل المعروف على أقسام فأهل الغفلة يسكنون إلى استراحة النفوس والأبدان ، وأهل الشهوة يسكنون إلى أمثالهم وأشكالهم من الرجال والنسوان ، وأهل الطاعة يسكنون إلى حلاوة أعمالهم وقوة آمالهم. وأهل المحبة يسكنون إلى أنين النفوس وحنين القلوب وضراعة الأسرار واشتعال الأرواح بالأشواق التي هي أحر من النار (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) يشير إلى أنه تعالى جعل أرض البشرية مقرا للروح (وَالسَّماءَ) بناء أي سماء الروحانية مبنية عليها (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) بأن جعلكم مرايا جماله وجلاله ، وفي الخبر «خلق الله تعالى آدم على صورته» وفي ذلك إشارة إلى رد (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠] ولله تعالى من قال :