(فَاعْمَلْ) على دينك وقيل في إبطال أمرنا (إِنَّنا عامِلُونَ) على ديننا وقيل : في ابطال أمرك والكلام على الأول متاركة وتقنيط عن اتباعه عليه الصلاة والسلام ، ومقصودهم أننا عاملون ، والأول توطئة له ، وحاصل المعنى أنا لا نترك ديننا بل نثبت عليه كما نثبت على دينك ، وعلى الثاني هو مبارزة بالخلاف والجدال ، وقائل ما ذكر أبو جهل ومعه جماعة من قريش.
ففي خبر أخرجه أبو سهل السري من طريق عبد القدوس عن نافع بن الأزرق عن ابن عمر عن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية : أقبلت قريش إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لهم : ما يمنعكم من الإسلام فتسودوا العرب؟ فقالوا : يا محمد ما نفقة ما تقول ولا نسمعه وأن على قلوبنا لغلفا وأخذ أبو جهل ثوبا فمده فما بينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : يا محمد قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ، وفيه فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمد اعرض علينا الإسلام فلما عرض عليهمالسلام أسلموا عن آخرهم فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام وقال : الحمد لله بالأمس تزعمون أن على قلوبكم غلفا وقلوبكم في أكنة مما أدعوكم إليه وفي آذانكم وقرا وأصبحتم اليوم مسلمين فقالوا : يا رسول الله كذبنا والله بالأمس لو كذلك ما اهتدينا أبدا ولكن الله تعالى الصادق والعباد الكاذبون عليه وهو الغني ونحن الفقراء إليه (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) لست ملكا ولا جنيا لا يمكنكم التلقي منه ض. وهو رد لقولهم : بيننا وبينك حجاب (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول وإنما أدعوكم إلى التوحيد الذي دلت عليه دلائل العقل وشهدت له شواهد السمع ، وهذا جواب عن قولهم : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) فاستووا إليه تعالى بالتوحيد وإخلاص العبادة ولا تتمسكوا بعرا الشرك وتقولوا لمن يدعوكم إلى التوحيد : قلوبنا في أكنة إلخ (وَاسْتَغْفِرُوهُ) مما سلف منكم من القول والعمل وهذا وجه لا يخلو عن حسن في ربط الأمر بما قبله ، وفي ارشاد العقل السليم أي لست من جنس مغاير لكم حتى يكون بيني وبينكم حجاب وتباين مصحح لتباين الأعمال والأديان كما ينبئ عنه قولكم : (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) بل إنما أنا بشر مثلكم مأمور بما آمركم به حيث أخبرنا جميعا بالتوحيد بخطاب جامع بيني وبينكم ، فإن الخطاب في (إِلهُكُمْ) محكي منتظم للكل لا أنه خطاب منه عليه الصلاة والسلام للكفرة كما في مثلكم وهو مبني على اختيار الوجه الأول في (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) ولا بأس به من هذه الجهة نعم فيه قصور من جهة أخرى ، وقال صاحب الفرائد : ليس هذا جوابا لقولهم إذ لا يقتضي أن يكون له جواب ، وحاصله لا تتركهم وما يدينون لقولهم ذلك المقصود منه أن تتركهم ، سلمنا أنه جواب لكن المراد منه أني بشر فلا أقدر أن أخرج قلوبكم من الأكنة وأرفع الحجاب من البين والوقر من الآذان ولكني أوحى إلي وأمرت بتبليغ (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وللإمام كلام قريب مما ذكر في حيز التسليم ، وكلا الكلامين غير واف بجزالة النظم الكريم ، وجعله الزمخشري جوابا من أن المشركين طالما يتمسكون في رد النبوة بأن مدعيها بشر ويجب أن يكون ملكا ولا يجوز أن يكون بشرا ولذا لا يصغون إلى قول الرسول ولا يتفكرون فيه فقوله عليه الصلاة والسلام : إني لست بملك وإنما أنا بشر من باب القلب عليهم لا القول بالموجب ولا من الأسلوب الحكيم في شيء كما قيل كأنه صلىاللهعليهوسلم قال : ما تمسكتم به في رد نبوتي من أني بشر هو الذي يصحح نبوتي إذ لا يحسن في الحكمة أن يرسل إليكم الملك فهذا يوجب قبولكم لا الرد والغلو في الإعراض.
وقوله : (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ) تمهيد للمقصود من البعثة بعد إثبات النبوة أولا مفصلا بقوله تعالى : (حم) الآيات ومجملا ثانيا بقوله : (يُوحى إِلَيَ) ثم قيل : (أَنَّما إِلهُكُمْ) بيانا للمقصود فقوله (يُوحى إِلَيَ) مسوق