والجواب كما في الكشف أن في لفظ الاستحباب ما يشعر بأن قدرة الله تعالى هي المؤثرة وأن لقدرة العبد مدخلا ما فإن المحبة ليست اختيارية بالاتفاق وإيثار العمى حبا وهو الاستحباب من الاختيارية ، فانظر إلى هذه الدقيقة تر العجب العجاب ، وإلى نحوه أشار الإمام الداعي إلى الله تعالى قدسسره ، ومعنى كون المحبة ليست اختيارية إنها بعد حصول ما تتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار للشخص في ميل قلبه وارتباط هواه بمن يحبه ، فهي نفسها غير اختيارية لكنها باعتبار مقدماتها اختيارية ، ولذلك كلفنا بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وفي طوق الحمامة لابن سعيد أن المحبة ميل روحاني طبيعي ، وإليه يشير قوله عزوجل : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) [الأعراف : ١٨٩] أي يميل فجعل علة ميلها كونها منها ، وهو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام : «الأرواح جنود مجندة» وتكون المحبة لأمور أخر كالحسن والإحسان والكمال ، ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والتعظيم ، وهذه هي التي يكلف بها لأنها اختيارية فاعرفه. وقرأ ابن وثاب والأعمش وبكر بن حبيب «وأما ثمود» بالرفع مصروفا.
وقد قرأ الأعمش وابن وثاب بصرفه في جميع القرآن إلا في قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) [الإسراء : ٥٩] لأنه في المصحف بغير ألف. وقرأ ابن أبي إسحاق وابن هرمز بخلاف عنه والمفضل ، قال ابن عطية : والأعمش وعاصم وروي عن ابن عباس «ثمودا» بالنصب والتنوين ، وروى المفضل عن عاصم الوجهين والمنع عن الصرف للعلمية والتأنيث على إرادة القبيلة ، ومن صرفه جعله اسم رجل ، والنصب على جعله من باب الإضمار على شريطة التفسير ، ويقدر الفعل الناصب بعده لأن أما لا يليها في الغالب إلا اسم. وقرئ بضم الثاء على أنه جمع ثمد وهو قلة الماء فكأنهم سموا بذلك لأنهم كانوا يسكنون في الرمال بين حضرموت وصنعاء وكانوا قليلي الماء (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) أي الذل وهو صفة للعذاب أو بدل منه ، ووصفه به مصدرا للمبالغة وكذا إضافة صاعقة إلى العذاب فيفيد ذلك أن عذابهم عين الهون وأن له صاعقة ، والمراد بالصاعقة النار الخارجة من السحاب كما هو المعروف ، وسبب حدوثها العادي مشهور في كتب الفلسفة القديمة وقد تكلم في ذلك أهل الفلسفة الجديدة المتداولة اليوم في بلاد الروم وما قرب منها فقالوا في كيفية انفجار الصاعقة : من المعلوم أن انطلاق الكهربائية التي في السحاب وهي قوة مخصوصة في الأجسام نحو قوة الكهرباء التي بها تجذب التبنة ونحوها إليها إنما يحصل باتحاد كهربائية الأجسام مع بعضها فإذا قرب السحاب من الأجسام الأرضية طلبت الكهربائية السحابية أن تتحد بالكهربائية الأرضية فتتبجس بينهما شرارة كهربائية فتصعق الأجسام الأرضية ، وتتفاوت قوة الصاعقة باختلاف الاستحالة البخارية فليست في جميع البلاد والفصول واحدة ، وأوضحوا ذلك بكلام طويل من أراده فليرجع إليه في كتبهم ، وقيل : المراد بالصاعقة هنا الصيحة كما وردت في آيات أخر ، ولا مانع من الجمع بينهما.
وقرأ ابن مقسم «الهوان» بفتح الهاء وألف بعد الواو (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من اختيار الضلالة على الهدى ، وهذا تصريح بما تشعر به الفاء (وَنَجَّيْنَا) من تلك الصاعقة (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) بسبب إيمانهم واستمرارهم على التقوى ، والمراد بها تقوى الله عزوجل ، وقيل : تقوى الصاعقة والمتقي عذاب الله تعالى متق لله سبحانه وليس بذاك (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) شروع في بيان عقوباتهم الآجلة بعد ذكر عقوباتهم العاجلة ، والتعبير عنهم بأعداء الله تعالى لذمهم والإيذان بعلة ما يحيق بهم من ألوان العذاب وقيل : المراد بهم الكفار من الأولين والآخرين.
وتعقب بأن قوله تعالى الآتي : (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [فصلت : ٢٥] كالصريح في إرادة الكفرة المعهودين ، والمراد من قوله تعالى : (إِلَى النَّارِ) قيل : إلى موقف الحساب ، والتعبير عنه بالنار للإيذان بأن النار عاقبة حشرهم وأنهم على شرف دخولها ، ولا مانع من إبقائه على ظاهره والقول بتعدد الشهادة فتشهد