أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٤٦)
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) النزع النخس وهو المس بطرف قضيب أو إصبع بعنف مؤلم استعير هنا للوسوسة الباعثة على الشر وجعل نازغا للمبالغة على طريقة جد جده ـ فمن ـ على هذا ابتدائية ، ويجوز أن يراد به نازغ على أن المصدر بمعنى اسم الفاعل وصفا للشيطان ـ فمن ـ بيانية والجار والمجرور في موضع الحال أو هي ابتدائية أيضا لكن على سبيل التجريد ، وجوز أن يكون المراد بالنازغ وسوسة الشيطان و «إن» شرطية و «ما» مزيدة أي وإن ينزغنك ويصرفنك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من شره ولا تطعه (إِنَّهُ) عزوجل (هُوَ السَّمِيعُ) فيسمع سبحانه استعاذتك (الْعَلِيمُ) فيعلم جل شأنه نيتك وصلاحك ، وقيل : السميع لقول من أذاك العليم بفعله فينتقم منه مغنيا عن انتقامك ، وقيل : العليم بنزغ الشيطان ، وفي جعل ترك الدفع من آثار نزغات الشيطان مزيد تحذير وتنفير عنه ، ولعل الخطاب من باب إياك أعني واسمعي يا جارة.
وجوز أن يراد بالشيطان ما يعم شيطان الإنس فإن منهم من يصرف عن الدفع بالتي هي أحسن ويقول : إنه عدوك الذي فعل بك كيت وكيت فانتهز الفرصة فيه وخذ ثأرك منه لتعظم في عينه وأعين الناس ولا يظن فيك العجز وقلة الهمة وعدم المبالاة إلى غير ذلك من الكلمات التي ربما لا تخطر أبدا ببال شيطان الجن نعوذ بالله تعالى السميع العليم من كل شيطان ، وفسر عبد الرحمن بن زيد النزغ بالغضب واستدل بالآية على استحباب الاستعاذة عنده.
وقد روى الحاكم عن سليمان بن صرد قال : استبّ رجلان عند النبي صلىاللهعليهوسلم فاشتد غضب أحدهما فقال النبي عليه الصلاة والسلام : «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال الرجل : أمجنونا تراني؟ فتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله».
ولعل الغضب من آثار الوسوسة (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على شئونه الجليلة جل شأنه : (اللَّيْلُ وَالنَّهارُ) في حدوثهما وتعاقبهما وإيلاج كل منهما في الآخر (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) في استنارتهما واختلافهما في قوة النور والعظم والآثار والحركات مثلا ، وقدم ذكر الليل قيل : تنبيها على تقدمه مع كون الظلمة عدما ، وناسب ذكر الشمس بعد النهار لأنها آيته وسبب تنويره ولأنها أصل لنور القمر بناء على ما قالوا من أنه مستفاد من ضياء الشمس ، وأما ضياؤها فالمشهور أنه غير طارئ عليها من جرم آخر ، وقيل : هو من العرش ، والفلاسفة اليوم يظنون أنه من جرم آخر وادعوا أنهم يرون في طرف من جرم الشمس ظلمة قليلة (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) لأنها من جملة مخلوقاته سبحانه