فالتقى ساكنان فحركت الخاء بالكسر على الأصل وكسرت الطاء للاتباع وحذفت ألف الوصل للاستغناء عنها. وقرئ «خطّف» بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة ونسبها ابن خالويه إلى الحسن وقتادة وعيسى ، واستشكلت بأن فتح الخاء سديد لإلقاء حركة التاء عليها ، وأما كسر الطاء فلا وجه له ، وقيل في توجيهها : إنهم نقلوا حركة الطاء إلى الخاء وحذفت ألف الوصل ثم قلبوا التاء وأدغموا وحركوا الطاء بالكسر على أصل التقاء الساكنين وهو كما ترى ، وعن ابن عباس «خطف» بكسر الخاء والطاء مخففة أتبع على ما في البحر حركة الخاء لحركة الطاء كما قالوا نعم (فَأَتْبَعَهُ) أي تبعه ولحقه على أن أتبع من الأفعال بمعنى تبع الثلاثي فيتعدى لواحد (شِهابٌ) هو في الأصل الشعلة الساطعة من النار الموقدة ، والمراد به العارض المعروف في الجو الذي يرى كأنه كوكب منقض من السماء (ثاقِبٌ) مضيء كما قال الحسن وقتادة كأنه ثقب الجو بضوئه ، وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يزيد الرقاشي أنه قال : يثقب الشيطان حتى يخرج من الجانب الآخر فذكر ذلك لأبي مجلز فقال : ليس ذاك ولكن ثقوبه ضوؤه ، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد «الثاقب» المتوقد وهو قريب مما تقدم.
وأخرج عن السدي «الثاقب» المحرق ، وليست الشهب نفس الكواكب التي زينت بها السماء فإنها لا تنقض وإلا لانتقصت زينة السماء بل لم تبق ، على أن المنقض إن كان نفس الكواكب بمعنى أنه ينقلع عن مركزه ويرمي به الخاطف فيرى لسرعة الحركة كرمح من نار لزم أن يقع على الأرض وهو إن لم يكن أعظم منها فلا أقل من أن ما انقض من الكواكب من حين حدث الرمي إلى اليوم أعظم منها بكثير فيلزم أن تكون الأرض اليوم مغشية بإجرام الكواكب والمشاهدة تكذب ذلك بل لم نسمع بوقوع جرم كوكب أصلا.
وأصغر الكواكب عند الإسلاميين كالجبل العظيم ، وعند الفلاسفة أعظم وأعظم بل صغار الثوابت عندهم أعظم من الأرض وإن التزم أنه يرمى به حتى إذا تم الغرض رجع إلى مكانه قيل عليه : إنه حينئذ يلزم أن يسمع لهويه صوت هائل فإن الشهب تصل إلى محل قريب من الأرض ، وأيضا عدم مشاهدة جرم كوكب هابطا أو صاعدا يأبى احتمال انقلاع الكوكب والرمي به نفسه ، وإن كان المنقض نوره فالنور لا أذى فيه فالأرض مملوءة من نور الشمس وحشوها الشياطين ، على أنه إن كان المنقض جميع نوره يلزم انتقاص الزينة أو ذهابها بالكلية ، وإن كان بعض نوره يلزم أن تتغير أضواء الكواكب ولم يشاهد في شيء منها ذلك ، وأمر انقضاضه نفسه أو انفصال ضوئه على تقدير كون الكواكب الثوابت في الفلك الثامن المسمى بالكرسي عند بعض الإسلاميين وإنه لا شيء في السماء الدنيا سوى القمر أبعد وأبعد. والفلاسفة يزعمون استحالة ذلك لزعمهم عدم قبول الفلك الخرق والالتئام إلى أمور أخر ، ويزعمون في الشهب أنها أجزاء بخارية دخانية لطيفة وصلت كرة النار فاشتعلت وانقلبت نارا ملتهبة فقد ترى ممتدة إلى طرف الدخان ثم ترى كأنها طفئت وقد تمكث زمانا كذوات الأذناب وربما تتعلق بها نفس على ما فصلوه ، وهم مع هذا لا يقولون بكونها ترمى بها الشياطين بل هم ينكرون حديث الرمي مطلقا ، وفي النصوص الإلهية رجوم لهم ، ولعل أقرب الاحتمالات فى أمر الشهب أن الكوكب يقذف بشعاع من نوره فيصل أثره إلى هواء وتكيف بكيفية مخصوصة يقبل بها الاشتعال بما يقع عليه من شعاع الكوكب بالخاصية فيشتعل فيحصل ما يشاهد من الشهب ، وإن شئت قلت : إن ذلك الهواء المتكيف بالكيفية المخصوصة إذا وصل إلى محل مخصوص من الجو أثرت فيه أشعة الكواكب بما أودعه الله تعالى فيها من الخاصية فيشتعل فيحصل ما يحصل ، وتأثير الأشعة الحرق في القابل له مما لا ينكر فإنا نرى شعاع الشمس إذا قوبل ببعض المناظر على كيفية مخصوصة أحرق قال الإحراق ولو توسط بين المنظرة وبين القابل إناء بلور مملوء ماء ، ويقال : إن الله تعالى يصرف ذلك الحاصل إلى الشيطان المسترق للسمع وقد يحدث ذلك وليس هناك