واعترض بأن الرفع كان بالابتداء وهو عامل معنوي ، وقد بطل بالعامل اللفظي. وأجيب بأن وجوده كلا وجود لشبهه بالزائد من حيث إنه لا يغير معنى الجملة وإنما يفيد التأكيد فقط. واعترض أيضا بأن الخبر المذكور كمبعوثون في الآية يكون حينئذ خبرا عنهما وخبر المبتدأ رافعه الابتداء أو المبتدأ أو هما وخبر إن رافعه إن فيتوارد عاملان على معمول واحد : وأجيب بأن العوامل النحوية ليست مؤثرات حقيقية بل هي بمنزلة العلامات فلا يضر تواردها على معمول واحد وهو كما ترى ، وتمام الكلام في محله ، وعلى كل حال الأولى ما تقدم من كونه مبتدأ حذف خبره ؛ وقد قال أبو حيان : إن أرباب الأقوال الثلاثة الأخيرة متفقون على جواز القول الأول وهو يؤيد القول بأولويته ، وأيا ما كان فمراد الكفرة زيادة استبعاد بعث آبائهم بناء على أنهم أقدم فبعثهم أبعد على عقولهم القاصرة. وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن عامر ونافع في رواية. وقالوا «أو» بالسكون على أنها حرف عطف وفيه الاحتمالات الأربعة إلا أن العطف على الضمير على هذه القراءة ضعيف لعدم الفصل بشيء أصلا (قُلْ نَعَمْ) أي تبعثون أنتم وآباؤكم الأولون والخطاب في قوله سبحانه : (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) لهم ولآبائهم بطريق التغليب ، والجملة في موضع الحال من فاعل ما دل عليه (نَعَمْ) أي تبعثون كلكم والحال إنك صاغرون أذلاء ، وهذه الحال زيادة في الجواب نظير ما وقع في جوابه عليه الصلاة والسلام لأبي ابن خلف حين جاء بعظم قد رم وجعل يفته بيده ويقول : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما رم فقال صلىاللهعليهوسلم له على ما في بعض الروايات «نعم ويبعثك ويدخلك جهنم» وقال غير واحد : إن ذلك من الأسلوب الحكيم. وتعقب بأن عد الزيادة منه لا توافق ما قرر في المعاني وإن كان ذلك اصطلاحا جديدا فلا مشاحة في الاصطلاح واكتفى في الجواب عن إنكارهم البعث على هذا المقدار ولم يقم دليل عليه اكتفاء بسبق ما يدل على جوازه في قوله سبحانه (فَاسْتَفْتِهِمْ) إلخ مع أن المخبر قد علم صدقه بمعجزاته الواقعة في الخارج التي دل عليها قوله سبحانه (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) الآية. وهزؤهم وتسميتهم لها سحرا لا يضر طالب الحق ، والقول بأن ذلك للاكتفاء بقيام الحجة عليهم في القيامة ليس بشيء. وقرأ ابن وثاب والكسائي «نعم» بكسر العين وهي لغة فيه. وقرئ «قال» أي الله تعالى أو رسوله صلىاللهعليهوسلم (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) الضمير راجع إلى البعثة المفهومة مما قبل ، وقيل للبعث والتأنيث باعتبار الخبر. والزجرة الصيحة من زجر الراعي غنمه صاح عليها. والمراد بها النفخة الثانية في الصور ولما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازا. والفاء واقعة في جواب شرط مقدر أو تعليلية لنهي مقدر أي إذا كان كذلك فإنما البعثة زجرة واحدة أو لا تستصعبوها فإنما هي زجرة. وجوز الزجاج أن تكون للتفسير والتفصيل وما بعدها مفسر للبعث وتعقب بأن تفسير البعث الذي في كلامهم لا وجه له والذي في الجواب غير مصرح به. وتفسير ما كني عنه بنعم مما لم يعهد. والظاهر أنه تفسير لما كني عنه بنعم وهو بمنزلة المذكور لا سيما وقد ذكر ما يقوى إحضاره من الجملة الحالية. وعدم عهد التفسير في مثل ذلك مما لا جزم لي به.
وأبو حيان نازع في تقدير الشرط فقال : لا ضرورة تدعو إليه ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب الأمر والنهي وما ذكر معهما على قول بعضهم إما ابتداء فلا يجوز حذفه والجمهور على خلاف والحق معهم ، وهذه الجملة إما من تتمة المقول وإما ابتداء كلام من قبله عزوجل.
(فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) أي فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون كما كانوا في الدنيا أو ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به (وَقالُوا) أي المبعوثون ، وصيغة الماضي لتحقق الوقوع (يا وَيْلَنا) أي يا هلاكنا احضر فهذا أوان حضورك (هذا يَوْمُ الدِّينِ) استئناف منهم لتعليل دعائهم الويل.
والدين بمعنى الجزاء كما في كما تدين تدان أي هذا اليوم الذي نجازى فيه بأعمالنا ، وإنما علموا ذلك لأنهم