وكثرتها وكنا جميعا قد حق علينا الوعيد فدعوناكم إلى ما نحن عليه من الاعتقاد الفاسد حبا لأن تكونوا أسوة أنفسنا وهذا كقولهم (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) [القصص : ٦٣] قال الراغب : هو إعلام منهم أنا قد فعلنا بهم غاية ما كان في وسع الإنسان أن يفعل بصديقه ما يريد بنفسه أي أفدناهم ما كان لنا وجعلناهم أسوة أنفسنا وعلى هذا فأغويناكم إنا كنا غاوين انتهى ، وجوز على هذا التقدير أن يكون (فَأَغْوَيْناكُمْ) مفرعا على شرح حال المخاطبين من انتفاء كونهم مؤمنين وثبوت كونهم طاغين وعن الآيات معرضين ، وقولهم (فَحَقَّ عَلَيْنا) إلخ اعتراض لتعجيل بيان أن ما الفريقان فيه أمر مقضي لا ينفع فيه القيل والقال والخصام والجدال ، ويجوز على هذا أن يراد بضمير الجمع في (فَحَقَّ عَلَيْنا) إلخ الرؤساء أو القرناء لا ما يعمهم والمخاطبين وأشاروا بذلك إلى أن ما هم فيه يكفي عن اللوم ويومئ إلى زيادة عذابهم ، ولا يخفى أن تجويز الاعتراض لا يخلو عن اعتراض ، وتجويز كون الضمير في (عَلَيْنا) إلخ للرؤساء أو القرناء يجري على غير هذا الاحتمال فتدبر.
وأيا ما كان فقولهم (إِنَّا لَذائِقُونَ) هو قول ربهم عزوجل ووعيده سبحانه إياهم ، ولو حكي كما قيل لقيل إنكم لذائقون ولكنه عدل إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك من أنفسهم. ونحوه قول القائل :
لقد زعمت هوازن قل مالي |
|
وهل لي غير ما أنفقت مال |
ولو حكى قولها لقال قل ما لك ومنه قول المحلف للحالف احلف لأخرجن ولتخرجن الهمزة لحكاية لفظ الحالف والتاء لإقبال المحلف على المحلف. وقال بعض الأجلة : قول الرب عزوجل هو قوله سبحانه وتعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٥] والربط على ما تقدم أظهر (فَإِنَّهُمْ) أي الفريقين المتسائلين ، والكلام تفريع على ما شرح من حالهم (يَوْمَئِذٍ) أي يوم إذ يتساءلون والمراد به يوم القيامة (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) كما كانوا مشتركين في الغواية. واستظهر أن المغوين أشد عذابا وذلك في مقابلة أوزارهم وأوزار مثل أوزارهم فالشركة لا تقتضي المساواة (إِنَّا كَذلِكَ) أي مثل ذلك الفعل البديع الذي تقتضيه
الحكمة التشريعية (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي بالمشركين لقوله سبحانه وتعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ) بطريق الدعوة والتلقين (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) عن القبول.
وفي إعراب هذه الكلمة الطيبة أقوال : الأول أن يكون الاسم الجليل مرفوعا على البدلية من اسم لا باعتبار المحل الأصلي وهو الرفع على الابتداء بدل بعض من كل وإلا مغنية عن الربط بالضمير. وإذا قلنا إن البدل في الاستثناء قسم على حدة مغاير لغيره من الإبدال اندفع عن هذا الوجه كثير من القيل والقال وهو الجاري على ألسنة المعربين والخبر عليه عند الأكثرين مقدر والمشهور تقديره موجود ، والكلمة الطيبة في مقابلة المشركين وهم إنما يزعمون وجود آلهة متعددة ولا يقولون بمجرد الإمكان على أن نفي الوجود في هذا المقام يستلزم نفي الإمكان وكذا نفي الإمكان عمن عداه عزوجل يستلزم ثبوت الوجود بالفعل له تعالى.
وجوز تقديره مستحق للعبادة ونفي استحقاقها يستلزم نفي التعدد لكن لا يتم هذا التقدير على تفسير الإله بالمستحق بالعبادة كما لا يخفى.
واختار البازلي تقدير الخبر مؤخرا عن إلا الله بناء على أن تقديره مقدما يوهم كون الاسم مستثنى مفرغا من ضمير الخبر وهو لا يجوز عند المحققين وأجازه بعض وهو القول الثاني ، والثالث ونسب إلى الكوفيين أن إلا عاطفة والاسم الجليل معطوف على الإله باعتبار المحل وهي عندهم بمنزلة لا العاطفة في أن ما بعدها يخالف ما قبلها إلا أن لا لنفي الإيجاب وإلا لإيجاب النفي ، والرابع أن الاسم الكريم هو الخبر ولا عمل لها فيه على رأي سيبويه من أن الخبر