تَنْفُذُونَ) ولا تعلمون إلا ببينة وحجة نصبها الله تعالى فتعرجون عليها بأفكاركم ، وروي ما يقاربه عن ابن عباس والأنسب بالمقام لا يخفى.
وقرأ زيد بن علي إن استطعتما رعاية للنوعين وإن كان تحت كل أفراد كثيرة والجمع لرعاية تلك الكثرة وقد جاء كل في الفصيح نحو قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) [الحجرات : ٩] (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة على العقوبة ، وقيل : على الوجه الأخير فيما تقدم أي مما نصب سبحانه من المصاعد العقلية والمعارج النقلية فتنفذون بها إلى ما فوق السماوات العلى (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) استئناف في جواب سؤال مقدر عن الداعي للفرار أو عما يصيبهم أي يصب عليكما (شُواظٌ) هو اللهب الخالص كما روي عن ابن عباس ، وأنشد عليه أبو حيان قول حسان:
هجوتك فاختضعت لنا بذل |
|
بقافية تأجج كالشواظ |
وقيل : اللهب المختلط بالدخان ، وقال مجاهد : اللهب الأحمر المنقطع ، وقيل : اللهب الأخضر ، وقال الضحاك : الدخان الذي يخرج من اللهب ، وقيل : هو النار والدخان جميعا ، وقرأ عيسى وابن كثير وشبل «شواظ» بكسر الشين (مِنْ نارٍ) متعلق ـ بيرسل ـ أو بمضمر هو صفة ـ لشواظ ـ و «من» ابتدائية أي كائن من نار والتنوين للتفخيم (وَنُحاسٌ) هو الدخان الذي لا لهب فيه كما قاله ابن عباس لنافع بن الأزرق وأنشد له قول الأعشى ، أو النابغة الجعدي :
تضيء كضوء السراج السلي |
|
ط لم يجعل الله فيه نحاسا |
وروي عنه أيضا ، وعن مجاهد أنه الصفر المعروف أي يصب على رءوسكما صفر مذاب ، والراغب فسره باللهب بلا دخان ثم قال : وذلك لشبهه في اللون بالنحاس ، وقرأ ابن أبي إسحاق والنخعي وابن كثير وأبو عمرو «ونحاس» بالجر على أنه عطف على نار ، وقيل : على (شُواظٌ) وجر للجوار فلا تغفل.
وقرأ الكلبي وطلحة ومجاهد بالجر أيضا لكنهم كسروا النون وهو لغة فيه ، وقرأ ابن جبير ـ ونحس ـ كما تقول يوم نحس ، وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة وابن أبي إسحاق أيضا «ونحس» مضارعا ، وماضيه حسه أي قتله أي ونقتل بالعذاب ، وعن ابن أبي إسحاق أيضا ـ ونحس ـ بالحركات الثلاث في الحاء على التخيير وحنظلة بن عثمان ـ ونحس ـ بفتح النون وكسر السين ، والحسن وإسماعيل ـ ونحس ـ بضمتين والكسر ، وهو جمع ـ نحاس ـ كلحاف ولحف ، وقرأ زيد بن علي ـ نرسل ـ بالنون ـ شواظا ـ بالنصب ـ ونحاسا ـ كذلك عطفا على شواظا (فَلا تَنْتَصِرانِ) فلا تمتنعان وهذا عند الضحاك في الدنيا أيضا.
أخرج ابن أبي شيبة عنه أنه قال في الآية : تخرج نار من قبل المغرب تحشر الناس حتى إنها لتحشر القردة والخنازير تبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا ، وقال في البحر : المراد تعجيز الجن والإنس أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا يقدر على الامتناع مما يرسل عليه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار من عداد الآلاء (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) أي انصدعت يوم القيامة ، وحديث امتناع الخرق حديث خرافة ، ومثله ما يقوله أهل الهيئة اليوم في السماء على أن الانشقاق فيها على زعمهم أيضا متصور (فَكانَتْ وَرْدَةً) أي كالوردة في الحمرة ، والمراد بها النور المعروف قاله الزجاج وقتادة ، وقال ابن عباس وأبو صالح : كانت مثل لون الفرس الورد ، والظاهر أن مرادهما كانت حمراء.