وقال الفراء : أريد لون الفرس الورد يكون في الربيع إلى الصفرة ، وفي الشتاء إلى الحمرة ، وفي اشتداد البرد إلى الغبرة فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل ، وروي هذا عن الكلبي أيضا ، وقال أبو الجوزاء : (وَرْدَةً) صفراء والمعول عليه إرادة الحمرة ، ونصب (وَرْدَةً) على أنه خبر ـ كان ـ وفي الكلام تشبيه بليغ ، وقرأ عبيد بن عمير «وردة» بالرفع على أن ـ كان ـ تامة أي فحصلت سماء وردة فيكون من باب التجريد لأنه بمعنى كانت منها ، أو فيها سماء وردة مع أن المقصود أنها نفسها كذلك فهو كقول قتادة بن مسلمة :
فلئن بقيت لأرحلن بغزوة |
|
نحو المغانم أو يموت كريم |
حيث عنى بالكريم نفسه ، وقوله تعالى : (كَالدِّهانِ) خبر ثان لكانت ـ أو نعت ـ لوردة ـ أو حال من اسم ـ كانت ـ على رأي من أجازه أي كدهن الزيت كما قال تعالى : (كَالْمُهْلِ) [الكهف : ٢٩ ، الدخان : ٤٥ ، المعارج : ٨] وهو دردي الزيت ، وهو ما جمع دهن كقرط وقراط ، أو اسم لما يدهن به كالحزام والأدام ، وعليه قوله في وصف عينين كثيرتي التذارف :
كأنهما مزادتا متعجل |
|
فريان لما تدهنا بدهان |
وهو الدهن أيضا إلا أنه أخص لأنه الدهن باعتبار إشرابه الشيء ، ووجه الشبه الذوبان وهو في السماء على وقيل من حرارة جهنم وكذا الحمرة ، وقيل : اللمعان ، وقال الحسن : أي كالدهان المختلفة لأنها تتلون ألوانا ؛ وقال ابن عباس : الدهان الأديم الأحمر ؛ ومنه قول الأعشى :
وأجرد من كرام الخيل طرف |
|
كأن على شواكله دهانا |
وهو مفرد ، أو جمع ، واستدل للثاني بقوله :
تبعن الدهان الحمر كل عشية |
|
بموسم بدر أو بسوق عكاظ |
وإذا شرطية جوابها مقدر أي كان ما كان مما لا تطيقه قوة البيان ، أو وجدت أمرا هائلا ، أو رأيت ما يذهل الناظرين وهو الناصب لإذا ، ولهذا كان مفرعا ومسببا عما قبله لأن في إرسال الشواظ ما هو سبب لحدوث أمر هائل ، أو رؤيته في ذلك الوقت (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن الإخبار بنحو ما ذكر مما يزجر عن الشر فهو لطف أيّ لطف ونعمة أيّ نعمة (فَيَوْمَئِذٍ) أي يوم إذ تنشق السماء حسبما ذكر.
(لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) لأنهم يعرفون بسيماهم وهذا في موقف ، وما دل على السؤال من نحو قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٩٢] في موقف آخر قاله عكرمة وقتادة ، وموقف السؤال على ما قيل : عند الحساب ، وترك السؤال عند الخروج من القبور ، وقال ابن عباس : حيث ذكر السؤال فهو سؤال توبيخ وتقرير ، وحيث نفي فهو استخبار فحض عن الذنب ، وقيل : المنفي هو السؤال عن الذنب نفسه والمثبت هو السؤال عن الباعث عليه ، وأنت تعلم أن في الآيات ما يدل على السؤال عن نفس الذنب.
وحكى الطبرسي عن الرضا رضي الله تعالى عنه أن من اعتقد الحق ثم أذنب ولم يتب عذب في البرزخ ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه ، ولعمري إن الرضا لم يقل ذلك ، وحمل الآية عليه مما لا يلتفت إليه بعين الرضا كما لا يخفى ، وضمير ذنبه للإنس وهو متقدم رتبة لأنه نائب عن الفاعل ، وإفراده باعتبار اللفظ ، وقيل : لما أن المراد فرد من الإنس كأنه قيل : لا يسأل عن ذنبه إنسي ولا جني ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد ـ ولا جأن ـ بالهمزة فرارا من التقاء الساكنين وإن كان على حدّه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) يقال فيه نحو ما سمعت في سباقه (يُعْرَفُ