الرجل؟ قلت : من بني أصمع قال : من أين أقبلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن قال : اتل علي فتلوت (وَالذَّارِياتِ) فلما بلغت (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) قال : حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت فإذا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم علي واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ثم قال : وهل غير هذا؟ فقرأت (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) فصاح وقال : يا سبحان الله من ذا أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى ألجئوه إلى اليمين قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه.
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) فيه تفخيم لشأن الحديث وتنبيه على أنه ليس مما علمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بغير طريق الوحي قاله غير واحد ، وفي الكشف فيه رمز إلى أنه لما فرغ من إثبات الجزاء لفظا للقسم ومعنى بما في المقسم به من التلويح إلى القدرة البالغة مديحا فيه صدق المبلغ ، وقضى الوطر من تفصيله مهّد لإثبات النبوة وأن هذا الآتي الصادق حقيق بالاتباع لما معه من المعجزات الباهرة فقال سبحانه : (هَلْ أَتاكَ) إلخ ، وضمن فيه تسليته عليه الصلاة والسلام بتكذيب قومه فله بسائر آبائه وإخوانه من الأنبياء عليهمالسلام أسوة حسنة هذا إذا لم يجعل قوله تعالى : (وَفِي مُوسى) عطفا على قوله سبحانه (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) وأما على ذلك التقدير فوجهه أن يكون قصة الخليل ولوط عليهماالسلام معترضة للتسلي بإبعاد مكذبيه وأنه مرحوم منجى مكرم بالاصطفاء مثل أبيه إبراهيم صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعليهم ـ والترجيح مع الأول انتهى ـ وسيأتي إن شاء الله تعالى ما سيتعلق بقوله سبحانه : (وَفِي مُوسى) ، و (الضيف) في الأصل مصدر بمعنى الميل ولذلك يطلق على الواحد والمتعدد ، قيل : كانوا اثني عشر ملكا ، وقيل : ثلاثة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عليهمالسلام وسموا ضيفا لأنهم كانوا في صورة الضيف ولأن إبراهيم عليهالسلام حسبهم كذلك ، فالتسمية على مقتضى الظاهر والحسبان ، وبدأ بقصة إبراهيم وإن كانت متأخرة عن قصة عاد لأنها أقوى في غرض التسلية (الْمُكْرَمِينَ) أي عند الله عزوجل كما قال الحسن فهو كقوله تعالى في الملائكة عليهمالسلام : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] أو عند إبراهيم عليهالسلام إذ خدمهم بنفسه وزوجته وعجل لهم القرى ورفع مجالسهم كما في بعض الآثار ، وقرأ عكرمة «المكرّمين» بالتشديد (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) ظرف للحديث لأنه صفة في الأصل ، أو للضيف ، أو ل (الْمُكْرَمِينَ) إن أريد إكرام إبراهيم لأن إكرام الله تعالى إياهم لا يتقيد ، أو منصوب بإضمار اذكر (فَقالُوا سَلاماً) أي نسلم عليك سلاما ، وأوجب في البحر حذف الفعل لأن المصدر سادّ مسدّه فهو من المصادر التي يجب حذف أفعالها ، وقال ابن عطية : يتجه أن يعمل في (سَلاماً) قالوا : على أن يجعل في معنى قولا ويكون المعنى حينئذ أنهم قالوا : تحية وقولا معناه «سلام» ونسب إلى مجاهد وليس بذاك.
(قالَ سَلامٌ) أي عليكم سلام عدل به إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى يكون تحيته أحسن من تحيتهم أخذا بمزيد الأدب والإكرام ، وقيل : (سَلامٌ) خبر مبتدأ محذوف أي أمري (سَلامٌ) وقرئا مرفوعين ، وقرئ ـ سلاما قال سلما ـ بكسر السين وإسكان اللام والنصب ، والسلم السلام ، وقرأ ابن وثاب والنخعي وابن جبير وطلحة ـ سلاما قال سلم ـ بالكسر والإسكان والرفع ، وجعله في البحر على معنى نحن أو أنتم سلم (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أنكرهم عليهالسلام للسلام الذي هو علم الإسلام ، أو لأنهم عليهمالسلام ليسوا ممن عهدهم من الناس ، أو لأن أوضاعهم وأشكالهم خلاف ما عليه الناس ، و (قَوْمٌ) خبر مبتدأ محذوف والأكثر على أن التقدير أنتم قوم منكرون وأنه عليهالسلام قاله لهم للتعرف كقولك لمن لقيته : أنا لا أعرفك تريد عرف لي نفسك وصفها ، وذهب بعض المحققين إلى