(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) نزلت في حاطب بن عمرو أبي بلتعة ـ وهو مولى عبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى ـ أخرج الإمام أحمد والبخاري مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : بعثني رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أنا والزبير والمقداد فقال : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به فخرجنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا : أخرجي الكتاب قالت : ما معي من كتاب قلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فإذا فيه : من خاطب ابن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما هذا يا حاطب؟! قال : لا تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال عمر رضي الله تعالى عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقال عليه الصلاة والسلام : إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ)» إلخ.
وفي رواية ابن مردويه عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام بعث عمر وعليا رضي الله تعالى عنهما في أثر تلك المرأة فلحقاها في الطريق فلم يقدرا على شيء معها فأقبلا راجعين ثم قال أحدهما لصاحبه : والله ما كذبنا ولا كذبنا ارجع بنا إليها فرجعا فسلا سيفيهما وقالا : والله لنذيقنك الموت أو لتدفعن الكتاب فأنكرت ثم قالت : أدفعه إليكما على أن لا ترداني إلى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فقبلا ذلك فأخرجته لهما من قرون رأسها ، وفيه ـ على ما في الدر المنثور ـ أن المرأة تدعى أم سارة كانت مولاة لقريش ، وفي الكشاف يقال لها : سارة مولاة لأبي عمرو بن صيفي ابن هاشم ، وفي صحة خبر أنس تردد ، وما تضمنه من رجوع الإمامين رضي الله تعالى عنهما بعيد ، وقيل : إن المبعوثين في أثرها عمر وعلي وطلحة والزبير وعمار والمقداد وأبو مرثد وكانوا فرسانا ، والمعول عليه ما قدمنا ، والذين كانوا له في مكة بنوه وإخوته على ما روي عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن حاطب المذكور ، وفي رواية لأحمد عن جابر أن حاطبا قال : كانت والدتي معهم فيحتمل أنها مع بنيه وإخوته.
وصورة الكتاب ـ على ما في بعض الروايات ـ أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما وعده ، وفي الخبر السابق على ما قيل : دليل على جواز قتل الجاسوس لتعليله صلّى الله تعالى عليه وسلم المنع عن قتله بشهوده بدرا ـ وفيه بحث ـ وفي التعبير عن المشركين بالعدو مع الإضافة إلى ضميره عزوجل تغليظ لأمر اتخاذهم أولياء وإشارة إلى حلول عقاب الله تعالى بهم ، وفيه رمز إلى معنى قوله :
إذا صافى صديقك من تعادي |
|
فقد عاداك وانقطع الكلام |
والعدو فعول من عدا كعفو من عفا ، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد ، ونصب (أَوْلِياءَ) على أنه مفعول ثان ـ لتتخذوا ـ وقوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) تفسير للموالاة أو لاتخاذها أو استئناف فلا محل لها من الاعراب ، والباء زائدة في المفعول كما في قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] وإلقاء المودة مجاز عن إظهارها ، وتفسيره بالإيصال أي توصلون إليهم المودة لا يقطع التجوز.