وقيل : الباء للتعدية لكون المعنى تفضون إليهم بالمودة ، وأفضى يتعدى بالباء كما في الأساس ، وقيل : هي للسببية والإلقاء مجاز عن الإرسال أي ترسلون إليهم أخبار النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم ، وعن البصريين أن الجار متعلق بالمصدر الدال عليه الفعل ، وفيه حذف المصدر مع بقاء معموله ، وجوز كون الجملة حالا من فاعل (لا تَتَّخِذُوا) أو صفة ـ لأولياء ـ ولم يقل ـ تلقون إليهم أنتم ـ بناء على أنه لا يجب مثل هذا الضمير مع الصفة الجارية على غير من هي له أو الحال أو الخبر أو الصلة سواء في ذلك الاسم والفعل كما في شرح التسهيل لابن مالك إذا لم يحصل إلباس نحو زيد هند ضاربها أو يضربها بخلاف زيد عمرو ضاربه أو يضربه فإنه يجب معه هو لمكان الإلباس.
وزعم بعضهم أن الإبراز في الصفات الجارية على غير من هي له إنما يشترط في الاسم دون الفعل كما هنا ومنع ذلك ، وتعقب الوجهان بأنهما يوهمان أنه تجوز الموالاة عند عدم الإلقاء فيحتاج إلى القول بأنه لا اعتبار للمفهوم للنهي عن الموالاة مطلقا في غير هذه الآية ، أو يقال : إن الحال والصفة لازمة ولذا كانت الجملة مفسرة وقوله تعالى : (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) حال من فاعل (لا تَتَّخِذُوا) وهي حال مترادفة إن كانت جملة (تُلْقُونَ) حالية أيضا أو من فاعل (تُلْقُونَ) وهي متداخلة على تقدير حاليتها ، وجوز كونه حالا من المفعول وكونه مستأنفا.
وقرأ الجحدري والمعلى عن عاصم ـ لما ـ باللام أي لأجل ما جاءكم بمعنى جعل ما هو سبب للإيمان سبب الكفر (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) أي من مكة (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي لإيمانكم أو كراهة إيمانكم بالله عزوجل ، والجار متعلق ـ بيخرجون ـ والجملة قيل : حال من فاعل (كَفَرُوا) أو استئناف كالتفسير لكفرهم كأنه قيل : كيف كفروا؟ وأجيب بأنهم كفروا أشد الكفر بإخراج الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين لإيمانهم خاصة لا لغرض آخر ، وهذا أرجح من الوجه الاول لطباقه للمقام وكثرة فوائده ، والمضارع لاستحضار الحال الماضية لما فيها من مزيد الشناعة ، والاستمرار غير مناسب للمعنى ، وفي (تُؤْمِنُوا) قيل : تغليب للمؤمنين ، والالتفات عن ضمير المتكلم بأن يقال : بي إلى ما في النظم الجليل للإشعار بما يوجب الايمان من الألوهية والربوبية (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) متعلق بقوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا) إلخ كأنه قيل : لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي فجواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدم ، وجعله الزمخشري حالا من فاعل (لا تَتَّخِذُوا) ولم يقدر له جوابا أي لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء والحال أنكم خرجتم لأجل الجهاد وطلب مرضاتي ، واعترض بأن الشرط لا يقع حالا بدون جواب في غير إن الوصلية ، ولا بد فيها من الواو وأن ترد حيث يكون ضد المذكور أولى ـ كأحسن إلى زيد وإن أساء إليك ـ وما هنا ليس كذلك.
وأجيب بأن ابن جني جوزه ، وارتضاه جار الله هنا لأن البلاغة وسوق الكلام يقتضيانه فيقال لمن تحققت صداقته من غير قصد للتعليق والشك : لا تخذلني إن كنت صديقي تهييجا للحمية ، وفيه من الحسن ما فيه فلا يضر إذا خالف المشهور ، ونصب المصدرين على ما أشرنا إليه على التعليل ، وجوز كونهما حالين أي مجاهدين ومبتغين ، والمراد بالخروج إما الخروج للغزو وإما الهجرة ، فالخطاب للمهاجرين خاصة لأن القصة صدرت منهم كما سمعت في سبب النزول ، وقوله تعالى : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) استئناف بياني كأنهم لما استشعروا العتاب مما تقدم سألوا ما صدر عنا حتى عوتبنا؟ فقيل : (تُسِرُّونَ) إلخ ، وجوز أن يكون بدلا من (تُلْقُونَ) بدل كل من كل إن أريد بالإلقاء الإلقاء خفية ، أو بدل بعض إن أريد الأعم لأن منه السر والجهر.
وقال أبو حيان : هو شبيه ببدل الاشتمال ، وجوز ابن عطية كونه خبر مبتدأ محذوف أي أنتم (تُسِرُّونَ)