وقرأ ابن أبي عبلة «قدّر» مشدد الدال (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) أي إلا بقدر ما أعطاها من الطاقة ، وقيل : ما أعطاها من الأرزاق قل أو جل ، وفيه تطييب واستمالة لقلب المعسر لمكان عبارة (آتاها) الخاصة بالإعسار قبل وذكر العسر بعد ، واستدل بالآية من قال لا فسخ بالعجز عن الإنفاق على الزوجة ؛ وهو ما ذهب اليه عمر ابن عبد العزيز وأبو حنيفة وجماعة وعن أبي هريرة والحسن وابن المسيب ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق يفسخ النكاح بالعجز عن الانفاق ويفرق بين الزوجين ، وفيها على ما قال السيوطي : استحباب مراعاة الإنسان حال نفسه في النفقة والصدقة ، ففي الحديث «إن المؤمن أخذ عن الله تعالى أدبا حسنا إذا هو سبحانه وسع عليه وسع وإذا هو عزوجل قتر عليه قتر» ، وقوله تعالى : (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) موعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم ، أو لفقراء الأزواج إن أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا ، وهو على الوجهين تذييل إلا أنه على الأول مستقل ، وعلى الثاني غير مستقل (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي كثير من أهل قرية.
وقرأ ابن كثير «وكائن» بالمد والهمزة ، وتفصيل الكلام فيها قد مر (عَتَتْ) تجبرت وتكبرت معرضة (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) فلم تمتثل ذلك (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) بالاستقصاء والتنقير والمناقشة في كل نقير من الذنوب وقطمير (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) أي منكرا عظيما ، والمراد حساب الآخرة وعذابها ، والتعبير عنهما بلفظ الماضي للدلالة على تحققهما كما في قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩] وغيرها.
وقرأ غير واحد «نكرا» بضمتين (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) عقوبة عتوها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) هائلا لا خسر وراءه (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها بقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) كأنه قيل : أعد الله تعالى لهم هذا العذاب فليكن لكم ذلك يا أولي الألباب داعيا لتقوى الله تعالى وحذر عقابه ، وقال الكلبي : الكلام على التقديم والتأخير ، والمراد (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر المصائب والبلايا (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) في الآخرة.
والظاهر أن قوله تعالى : (أَعَدَّ) إلخ عليه تكرير للوعيد أيضا ، وجوز أن يراد بالحساب الشديد استقصاء ذنوبهم وإثباتها في صحائف الحفظة ، وبالعذاب النكر ما أصابهم عاجلا ، وتجعل جملة (عَتَتْ) إلخ صفة لقرية ، والماضي في (فَحاسَبْناها). و (عَذَّبْناها) على الحقيقة ، وخبر (كَأَيِّنْ) جملة (أَعَدَّ اللهُ) إلخ ، أو تجعل جملة (عَتَتْ) إلخ هي الخبر ، وجملة (أَعَدَّ اللهُ) إلخ استئناف لبيان أن عذابهم غير منحصر فيما ذكر بل لهم بعده عذاب شديد ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا) منصوب بإضمار أعني بيانا للمنادى السابق أو نعت له أو عطف بيان ، وفي إبداله منه ضعف لعدم صحة حلوله محله (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) هو النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم عبر به عنه لمواظبته عليه الصلاة والسلام على تلاوة القرآن الذي هو ذكر ، أو تبليغه والتذكير به ، وقوله تعالى : (رَسُولاً) بدلا منه ، وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحا للمجاز ، أو لأن الإرسال مسبب عنه فيكون (أَنْزَلَ) مجازا مرسلا ، وقال أبو حيان : الظاهر أن الذكر هو القرآن ، والرسول هو محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم فإما أن يجعل نفس الذكر مجازا. أو يكون بدلا على حذف مضاف أي ذا ذكر (رَسُولاً) فيكون (رَسُولاً) نعتا لذلك المحذوف أو بدلا ، وقيل : (رَسُولاً) منصوب بمقدر مثل أرسل رسولا دل عليه أنزل. ونحا إلى هذا السدي ، واختاره ابن عطية ، وقال الزجاج وأبو علي : يجوز أن يكون معمولا للمصدر الذي هو ذكر كما في قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) [البلد : ١٤ ، ١٥] ، وقول الشاعر :
بضرب بالسيوف رءوس قوم |
|
أزلنا هامهن عن المقيل |