أي (أَنْزَلَ اللهُ) تعالى ذكره (رَسُولاً) على معنى أنزل الله عزوجل ما يدل على كرامته عنده وزلفاه ، ويراد به على ما قيل : القرآن وفيه تعسف ، ومثله جعل (رَسُولاً) بدلا منه على أنه بمعنى الرسالة ، وقال الكلبي : الرسول هاهنا جبريل عليهالسلام ، وجعل بدلا أيضا من (ذِكْراً) وإطلاق الذكر عليه لكثرة ذكره فهو من الوصف بالمصدر مبالغة ـ كرجل عدل ـ أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ، فبينهما ملابسة نحو الحلول ، أو لأنه عليهالسلام مذكور في السماوات وفي الأمم ، فالمصدر بمعنى المفعول كما في درهم ضرب الأمير ، وقد يفسر الذكر حينئذ بالشرف كما في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] فيكون كأنه في نفسه شرف إما لأنه شرف للمنزل عليه ، وإما لأنه ذو مجد وشرف عند الله عزوجل كقوله تعالى : (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) [التكوير : ٢٠] وفي الكشف إذا أريد بالذكر القرآن وبالرسول جبريل عليهالسلام يكون البدل بدل اشتماله ، وإذا أريد بالذكر الشرف وغيره يكون من بدل الكل فتدبر.
وقرئ رسول على إضمار هو ، وقوله تعالى : (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) نعت ـ لرسولا ـ وهو الظاهر ، وقيل : حال من اسم «الله» تعالى ، ونسبة التلاوة إليه سبحانه مجازية كبنى الأمير المدينة ، و (آياتِ اللهِ) القرآن ، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر على أحد الأوجه ، و (مُبَيِّناتٍ) حال منها أي حال كونها مبينات لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام ، وقرئ «مبيّنات» أي بينها الله تعالى كقوله سبحانه : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) [آل عمران : ١١٨ ، الحديد : ١٧٠] واللام في قوله تعالى : (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) متعلق ـ بأنزل ـ أو ـ بيتلوا ـ وفاعل يخرج على الثاني ضمير الرسول عليه الصلاة والسلام أو ضميره عزوجل ، والمراد بالموصول المؤمنون بعد إنزال الذكر وقبل نزول هذه الآية ؛ أو من علم سبحانه وقدر أنه سيؤمن أي ليحصل لهم الرسول أو الله عزوجل ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح ، أو ليخرج من علم وقدر أنه يؤمن من أنواع الضلالات إلى الهدى ، فالمضي إما بالنظر لنزول هذه الآية أو باعتبار علمه تعالى وتقديره سبحانه الأزلي.
(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) حسبما بين في تضاعيف ما أنزل من الآيات المبينات.
(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وقرأ نافع وابن عامر ـ ندخله ـ بنون العظمة وقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) حال من مفعول (يُدْخِلْهُ) والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها ، وقوله تعالى : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) حال أخرى منه أو من الضمير في (خالِدِينَ) بطريق التداخل ، وإفراد ضمير (لَهُ) باعتبار اللفظ أيضا ، وفيه معنى التعجيب والتعظيم لما رزقه الله تعالى المؤمنين من الثواب وإلا لم يكن في الإخبار بما ذكرها هنا كثير فائدة كما لا يخفى.
واستدل أكثر النحويين بهذه الآية على جواز مراعاة اللفظ أولا. ثم مراعاة المعنى. ثم مراعاة اللفظ ، وزعم بعضهم أن ما فيها ليس كما ذكر لأن الضمير في (خالِدِينَ) ليس عائدا على من كالضمائر قبل ، وإنما هو عائد على مفعول ـ يدخل ـ و (خالِدِينَ) حال منه ، والعامل فيها ـ يدخل ـ لا فعل الشرط وهو كما ترى (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) مبتدأ وخبر (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) أي وخلق من الأرض مثلهن على أن (مِثْلَهُنَ) مفعول لفعل محذوف والجملة عطف على الجملة قبلها ، وقيل : (مِثْلَهُنَ) عطف على سبع سماوات ، وإليه ذهب الزمخشري ، وفيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف والمعطوف وهو مختص بالضرورة عند أبي علي الفارسي ، وقرأ المفضل عن عاصم. وعصمة عن أبي بكر (مِثْلَهُنَ) بالرفع على الابتداء (وَمِنَ الْأَرْضِ) الخبر.
والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف فقال الجمهور : هي هاهنا في كونها سبعا وكونها طباقا بعضها