قال السدي : عبدتها حمير وخزاعة ، وقال غيره : أول من عبدها أبو كبشة رجل من خزاعة ، أو هو سيدهم واسمه وخز بن غالب وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم : ابن أبي كبشة شبهوه به لمخالفته قومه في عبادة الأصنام ، وذكر بعضهم أنه أحد أجداده عليه الصلاة والسلام من قبل أمه وأنهم كانوا يزعمون أن كل صفة في المرء تسري إليه من أحد أصوله فيقولون نزع إليه عرق كذا ، وعرق الخال نزاع ، وقيل : هو كنية وهب بن عبد مناف جده صلى الله تعالى عليه وسلم من قبل أمه ، وقولهم له عليه الصلاة والسلام ذلك على ما يقتضيه ظاهر القاموس لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم في الشبه الخلقي دون المخالفة ، وقيل : كنية زوج حليمة السعدية مرضعته عليه الصلاة والسلام ، وقيل : كنية عم ولدها ولكونها عبدت من دونه عزوجل خصت بالذكر ليكون ذلك تجهيلا لهم بجعل المربوب ربا ، ولمزيد الاعتناء بذلك جيء بالجملة على ما نطق به النظم الجليل.
ومن العرب من كان يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم ويزعمون أنها تقطع السماء عرضا وسائر النجوم تقطعها طولا ويتكلمون على المغيبات عند طلوعها ففي قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) إشارة إلى نفي تأثيرها.
(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) أي القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح كما قاله ابن زيد والجمهور ، وقال الطبري : وصفت الأولى لأن في القبائل (عاداً) أخرى وهي قبيلة كانت بمكة مع العماليق وهم بنو لقيم بن هزال ، وقال المبرد : عاد الأخرى هي ثمود ، وقيل : الجبارون ، وقيل : عاد الأولى ولد عاد بن إرم بن عوف بن سام بن نوح ، وعاد الأخرى من ولد عاد الأولى ، وفي الكشاف (الْأُولى) قوم هود والأخرى إرم والله تعالى أعلم.
وجوز أن يراد بالأولى المتقدمون الأشراف : وقرأ قوم عاد الولي بحذف الهمزة ونقل ضمها إلى اللام قبلها ، وقرأ نافع وأبو عمرو عاد الولي بإدغام التنوين في اللام المنقول إليها حركة الهمزة المحذوفة ، وعاب هذه القراء المازني والمبرد ، وقالت العرب : في الابتداء بعد النقل ـ الحمر ، ولحمر ـ فهده القراءة جاءت على لحمر فلا عيب فيها ، وأتى قالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة في موضع الواو كما في قوله :
أحب الموقدين إليّ مؤسى
وكما قرأ بعضهم ـ على سؤقه ـ وفيه شذوذ ، وفي حرف أبيّ عاد غير مصروف للعلمية والتأنيث ومن صرفه فباعتبار الحي ، أو عامله معاملة هند لكونه ثلاثيا ساكن الوسط (وَثَمُودَ) عطف على (عاداً) ولا يجوز أن يكون مفعولا ـ لأبقى ـ في قوله تعالى : (فَما أَبْقى) لأن ـ ما ـ النافيه لها صدر الكلام والفاء على ما قيل : مانعة أيضا فلا يتقدم معمول ما بعدها ، وقيل : هو معمول ـ لأهلك ـ مقدر ولا حاجة إليه ، وقرأ عاصم وحمزة ـ ثمود ـ بلا تنوين ويقفان بغير ألف والباقون بالتنوين ويقفون بالألف ، والظاهر أن متعلق (أَبْقى) يرجع إلى عاد وثمود معا أي فما أبقى عليهم ، أي أخذهم بذنوبهم ، وقيل : أي ما أبقى منهم أحدا ، والمراد ما أبقى من كفارهم (وَقَوْمَ نُوحٍ) عطف على (عاداً) أيضا (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل إهلاك عاد وثمود ، وصرح بالقبلية لأن نوحا عليهالسلام آدم الثاني وقومه أول الطاغين والهالكين (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ (١) أَطْغى) أي من الفريقين حيث كانوا يؤذونه ويضربونه حتى لا يكاد يتحرك وكان الرجل منهم يأخذ بيد ابنه يتمشى به إليه يحذره منه ويقول : يا بني إن أبي مشى بي إلى هذا وأنا مثلك يومئذ فإياك أن تصدقه فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه ولم يتأثروا من دعائه وقد دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وقيل : ضمير (إِنَّهُمْ) يعود على جميع من تقدم عاد وثمود وقوم نوح أي كانوا أظلم من قريش وأطغى منهم ، وفيه من التسلية للنبي عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى ، و (هُمْ) يجوز أن يكون تأكيدا للضمير المنصوب ويجوز أن يكون فصلا لأنه واقع بين معرفة وأفعل التفضيل ، وحذف المفضول مع الواقع خبرا لكان لأنه جار مجرى خبر المبتدأ