وبقي ، وتغيرت الكتب وحرّفت ولم يتغير هو ولم يتحرّف ، فلو قدر للإنسانية أن تفحص الأديان بعقلية علمية لما وجدت غير الإسلام دينا يثبت للفحص العلمي ، إذ ليس غير الإسلام دينا بقيت معجزته إلى اليوم وتبقى إلى ما شاء الله ، لتكون موضوع بحث وامتحان له يهتدي البشر بفحصها إلى الله ، ولعلموا عن طريقها أن الإسلام هو دين الله فاطر الفطرة وخالق الناس». إذن ، فالقرآن هو معجزة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو بنفس الوقت كتاب رسالته ذاتها «لقد جعل كتابه عين معجزته ، ومعجزته عين كتابه ليكون حفظ الدين وحفظ معجزته أمرا واحدا سواء ، ولتدوم حجة الله على الناس».
على أنه يجب أن يتضح إعجاز القرآن لكل إنسان لتلزمه حجة الله إن هو أبى الإسلام ، لذا فإن معجزة القرآن ليست من تلك الناحية التي يتوقف تقديرها والتسليم بها على معرفة لغة لا يتيسر معرفتها لكل أحد ، وتلك الناحية الإعجازية هي الناحية العلمية في القرآن ... أي أن الحقيقة العلمية التي لم تعرفها البشرية إلا في القرن التاسع عشر أو العشرين مثلا ، والتي ذكرها القرآن لا بد أن تقوم عند كل ذي عقل دليلا محسوسا على أن خالق الحقيقة هو منزّل القرآن ...
إن موقف القرآن ، كمعجزة اليوم لعصرنا ، هو نفس موقفه كمعجزة في عصر النبيصلىاللهعليهوسلم ، ولا يتوقف كمعجزة إلا إذا استطاع العصر أن يتجاوزه فيما جاء به من صور الإعجاز العديدة ، عند ذلك تتوقف حجة الله على العالمين ، فإما أن يرسل رسولا آخر ، وهو قد قال إنه ليس هناك رسول بعد خاتم النبيين ، أو يرسل معجزة تتحدّى من لا يؤمن بها ، وهو ما لم يحصل. إذن ، فالقرآن كان وما زال وسيبقى حجة الله على العالمين ، ولكن علينا نحن أن نعرف مواضع ومواقع إعجازه لعصرنا لكي تستمر الرسالة وكأنها جاءت اليوم. لننظر إلى منطق علماء الإسلام السابقين في طريقه فهمهم لنبوة النبي ومعجزة القرآن ، وكيف كانت تعمل عندهم ، ونقارنها بمنطق علماء اليوم في نظرتهم وفهمهم لنبوّة النبي ومعجزة القرآن؟
يقول الباقلاني في إعجاز القرآن إن نبوّة النبي صلىاللهعليهوسلم معجزتها القرآن (١) : «الذي يوجب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن أن نبوّة نبينا عليه الصلاة والسلام بنيت على هذه المعجزة» ، ويصف هذه المعجزة بقوله «فأما دلالة القرآن فهي عن معجزة عامة عمّت الثقلين ، وبقيت بقاء العصرين ، ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها إلى يوم القيامة على حد واحد». ولكن هل يمكن إدراك الإعجاز بسهولة حتى وإن
__________________
(١) إعجاز القرآن ـ الباقلاني ، ص ٣١.