ولقد كان هذا التصوّر سائدا عند الصحابة والتابعين ، لذا فإن الإمام الغزالي ينقل في إحياء علوم الدين عن بعض العلماء (١) «أن القرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم ، ومائتي علم ، إذ كل كلمة علم» ، ثم يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : «من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبّر القرآن» ، ثم يقول بعد ذلك : «وبالجملة ، فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عزوجل وصفاته ، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته ، وهذه العلوم لا نهاية لها ، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها. ثم يزيد في ذلك فيقول : بل كل ما أشكل فهمه على النظّار واختلفت فيه الخلائق في النظريات والمعقولات في القرآن إليه رمز ودلالات عليه يختص أهل الفهم بدركها ، فتفكر في القرآن والتمس غرائبه لتصادف فيه مجامع علم الأولين والآخرين».
أما السيوطي (٢) فيعتبر احتواءه على علوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ، ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة ، وأحرف معدودة ، أول وجه من وجوه إعجاز القرآن ، ويروي أحاديث وآثار كثيرة في هذا الصدد ، منها ما رواه البيهقي عن الحسن قال : أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، ثم أودع علوم الثلاثة في الفرقان. ويروى عن ابن مجاهد أنه قال : ما شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله عزوجل. ويروى عن ابن أبي الفضل المرسي قوله : جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما إلا واهبها والمتكلم بها ، ثم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خلا ما استأثر به سبحانه ، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم ، مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس ، حتى قال لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله. ثم يستعرض السيوطي جميع العلوم النابعة من القرآن ، فيجمع كل العلوم الموجودة في عصره ويصل إلى القول (٣) : «وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل ، مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك» ، وينقل عن الراغب قوله «إن الله تعالى كما جعل نبوءة النبيين بنبينا ومولانا محمد صلىاللهعليهوسلم مختتمة ، وشرائعهم بشرعته من وجه منتسخة ومن وجه متمّمة مكملة جعل كتابه المنزل عليه متضمنا لثمرة كتبه التي أولها (٤) (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة / ٥] وقوله (يَتْلُوا
__________________
(١) أصول التفسير وقواعده ـ خالد عبد الرحمن العك ، ص ٢٢٠.
(٢) معترك الأقران في إعجاز القرآن ـ السيوطي ـ ج ١ ص ١٢.
(٣) المصدر السابق ، ص ١٧.
(٤) المصدر السابق ، ص ١٩.