صُحُفاً مُطَهَّرَةً* فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) [البينة / ٢ ، ٣] ، وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه والآلات الدنيوية عن استيفائه ، كما نبّه عليه بقوله (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان / ٢٧]». وأخيرا يروي السيوطي قول القاضي أبي بكر بن العربي في قانون التأويل : علوم القرآن خمسون علما ، وأربعمائة علم ، وسبعة آلاف علم ، وسبعون ألف علم ، على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة ، إذ لكل كلمة ظهر وبطن وحد ومطلع ، وهذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينهما من روابط ، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله. ويروي السيوطي حديثا عن أبي هريرة أنه قال : فال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (إن الله لو أغفل شيئا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة).
وممن تابع مفردات التفسير العلمي الدكتور محسن عبد الحميد ، حيث يرجع بداياته إلى الإمام الغزالي (١) في كتاب جواهر القرآن ، الذي دعا فيه إلى أن هذه العلوم المعروفة ليست أوائلها (أصولها) بخارجة عن القرآن ، لأن جميعها مغترفة من بحار معرفة الله تعالى. فالعلماء بهذه العلوم هم الذين يعرفون الأسرار والسنن الكامنة وراء الآيات الكونية في القرآن الكريم ، والتي تمثل بحار أفعال الله تعالى في الوجود. ويرى الدكتور عبد الحميد أن الغزالي لا يعتقد بوجود هذه العلوم جميعها بتفاصيلها في القرآن ، وإنما كان يعتقد أن موازينها ومفاتيحها هي الموجودة فيه ، ولعل أكثر من تعامل بمفردات العلوم من تفاسير القرآن هو الفخر الرازي في تفسيره الكبير الذي آمن بمقولة الغزالي وأكثر من استخدامها في تفسيره.
إلا أن الدكتور عبد الحميد ، في دراسته عن تفسير الرازي ، يقول عنه (٢) «إنه لم يذكر أن في القرآن كل العلوم والمعارف الإنسانية بالفعل ، بل إنه مشى على أساس أن القرآن يجلب نظرنا إلى القوانين المتنوعة المنشورة في الكون ، ولن نستطيع أن نفهمه حق الفهم إن لم نطّلع على العلوم والمعارف ، إذ أن في ضوئها نفهم كثيرا من أسرار القرآن» ... إذن فالقدامى من العلماء والباحثين ، ومن الصحابة والتابعين كانوا يعتقدون أن كل العلوم في القرآن ، سواء عرفوا هذه العلوم التي كانت في عصرهم أو لم يعرفوها ، وأن فيه علم الأولين والآخرين ، ولمعرفتنا بحدود علومهم في ذلك الزمان واختلاط بعضها ببعض فإننا لا نستغرب منهم ذلك ، فأين كتاب الله من كتب
__________________
(١) تطور تفسير القرآن ـ د. محسن عبد الحميد ، ص ٢٢٥.
(٢) المصدر السابق نفسه.