العلمي في هذا العصر ، الذي لا يعرف إلا لغة العلم والحضارة والطاقة والمادة والنسبية ، ولغة الرقم الحسابي في الكمبيوترات تتحكم في كل مفردات حياته؟
وللجواب على هذه الأسئلة جميعا كان علينا استعراض أفكار وآراء ومضامين الذين يؤيدون التفسير العلمي ، وما يعنيه في العصر الحاضر أمام تصادم الحضارات والأفكار وصراعها بين الشرق والغرب ، وبين المادية والروحية ، وبين معسكرات الإلحاد ومعسكر الإيمان وأسلحة العلم ومختبراته وبحوثه ، التي تخدم أغراض كل معسكر وكل اتجاه. فهل نستطيع أن نقف على الحياد أو نرفض التعامل مع العلم المعاصر وصراع التلسكوبات والأقمار الصناعية تزدحم في الفضاء ، وصراع الميكروسكوبات مع الخلية الحية ومع مفردات الذرة وجسيماتها حتى ضاق العالم من التسميات الجديدة للاكتشافات داخل كل منها ، فاستخدموا الكمبيوترات المتقدّمة لخزن المعلومات عنها بدل الكتب والأوراق التي لا تتسع لها؟ هل نستطيع أن ندّعي أن ديننا وقرآننا صالح لكل زمان ومكان ونحن جالسين على التّلّ لا نبدي رأيا ، وليس لنا رأي في كل هذا لأن قرآننا نزل في غير هذا العصر ولقوم أميين فسّروه عند معطياتهم اللفظية والبلاغية ، واستخرجوا منه الأحكام التي يريدون وعمّموها ، فنحن نطبقها كما هي ونفهم القرآن كما فهموه؟ ألا نكذّب نحن القرآن نفسه حينما نضعه هذا الموضع ، وهو الذي دعا بأكثر من سبعمائة آية للتفكر والتدبّر علميّا بالكون وخلقه وخالقه ، ويتوجه بالخطاب ، في خمسين موضعا ، للذين يعقلون ، ومائة موضع للذين يعلمون ، وثلاثين موضعا للذين يتفكرون ويتفقهون؟ ألا نكون مناقضين للقرآن نفسه وهو الذي يخاطبنا مباشرة بالجواب على كيف لفهم حقيقة الخلق (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) ... الخ [الغاشية / ١٧ ـ ٢٠] وإذا كان القرآن هو دليل ومعجزة سيدنا محمدصلىاللهعليهوسلم ، وأنه نبي من عند الله ، فكيف سنحاجج أبناء هذا العصر ، علماء ومثقفين وعوام ، بأن رسولنا مرسل إلى الخلق كلهم حتى قيام الساعة ، ولا نبي بعده لأنه خاتم النبيين ، إذا لم يكن هذا الدليل وهذه المعجزة قائمة بعملها الإعجازي لكل العصور وأبنائها المخاطبين بهذا النداء؟ ولو كانت هذه المعجزة معجزة لأبناء العصر الذي أنزلت عليهم فآمنوا بها في وقتها ، فما الذي يجعل أبناء عصرنا والعصور اللاحقة لا معجزة لديهم سوى الأخبار التاريخية عن هذه المعجزة ، فما الفرق بينها وبين معجزات باقي الأنبياء الذين مضوا مع معجزاتهم