وليس لهم دليل اليوم على صدق نبوتهم بمعجزاتهم غير أخبار يرويها التاريخ؟
«إن الإيمان بالنبوّة يقتضي وجود المعجزة ، والتصديق الجازم بخوارق العادات يحتاج إلى برهان ، فمعجزة محمد صلىاللهعليهوسلم هي القرآن ، ولا تزال هذه المعجزة تتحدى منذ أكثر من أربعة عشر قرنا وإلى الآن ، أما معجزة الأنبياء السابقين فإنها غير مدركة ولا محسوسة لنا في الوقت الحاضر» (١). إذن ، فإن المعجزة هي دليل صدق الأنبياء على دعواهم ، ولقد كان القرآن ولا يزال هو المعجزة المثبتة لنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفي ذلك يقول وحيد الدين خان ... (٢) : «عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أني أكثرهم تابعا ليوم القيامة). إن هذا الحديث النبوي يعين جوانب بحثنا الصحيحة ، فهو يقول إن أهم وسائلنا لمعرفة النبي هو الكتاب الذي جاء به مدّعيا أنه من عند الله ، والقرآن هو رسالة الرسول بين ظهرانينا ، كما أنه يبرهن على صدقه ، فما الخصائص التي تبرهن على أن القرآن من عند الله؟»
ومما يذكره وحيد الدين خان في الإعجاز هو إعجاز القرآن بالتحدي الدائم على أن يأتوا بمثله ونبوءات القرآن الغيبية ، ومن ثم الإعجاز العلمي فيه ويقول عنه (٣) : «إنه رغم نزول القرآن قبل قرون كثيرة من عصر العلوم الحديثة لم يتمكن أحد من إثبات أية أخطاء علمية فيه ، ولو أنه كان كلاما بشريا لكان هذا ضربا من المستحيل» ، ويضيف في موضع آخر (٤) : «فالقرآن الكريم هو المعجزة الدالة على صدق نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وما عدا القرآن من خوارق العادات التي ظهرت بين يديه فلا تعد من معجزاته لأنها لم تنقل بالتواتر ، فضلا عن كون المعجزة بالنسبة إلى آخر الأنبياء لا بد أن تظل قائمة بالتحدي وتلك الخوارق لم تعد قائمة ، يمكن أن توجد لدى غير المسلمين قناعات بصدق نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم».
إذن ، فعلى القرآن أن يقول كلمته الإعجازية اليوم لكل العالم ، وأن يتحدّاهم وكأنه نازل اليوم من عند الله ، وأن يبقى متحدّيا إلى يوم القيامة لكل عصر بطابعه الذي يتميز به ، وعصرنا عصر علم وثقافة ، فهل نجابه العالم بإعجاز بلاغي ولفظي وهو فيه من العلوم والمعارف ما لا يحيط به قلم ولا يحصيه رقم ...؟ وإذا ما تكاسلنا عن أن نعطيه دوره فإن العملية لا تبقى في حدود الاختيار لأن معنى هذا تكذيب
__________________
(١) الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية ـ د. محمّد الخالدي ، ج ٢ ، ص ٢٤٥.
(٢) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٤٦.
(٣) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٦٦.
(٤) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٨٦.