والواقع أن هذا الكون ـ على قدر ما نعرفه الآن ـ له مظهران ، فهو أحيانا ندركه أو يظهر لنا على شكل موجة ، وهذه الموجة لا زمان لها ولا مكان ، أي في المقاييس الرياضية الحسية ، وأحيانا أخرى قد تتخلى الموجة أو الطاقة عن صفتها الطليقة المتحررة ، وتتجسّد على هيئة مادة كجسيمات ذرية ، وهي في هذه الحالة تأتي على قانون الله الأزلي في الخلق زوجين زوجين .. وفي المفاعلات النووية الجبارة يعيش العلماء مع خلق الأزواج ليل نهار ، وفيها يسجلون تجسيد الطاقات أو الموجات على هيئة جسيمات كثيرة وعلى الألواح الحساسة ، أو في غرف الغيوم التي توضح بداية خلق الأزواج ، يسجل العلماء مولد الإلكترون ونقيضه أو البروتون ونقيضه أو النيوترون ونقيضه ، ثم إن هناك جسيمات ذرية أخرى كثيرة ، وهي غير الجسيمات الأساسية الأولية الثلاثة ، التي ذكرناها ، فما من جسيم منها يتجسّد ـ صغر شأنه أو كبر ـ إلا ويظهر معه في نفس اللحظة نقيضه ، ثم إنه في كل حالة من هذه الحالات يظهر الزوجان ويتخلقان أمام أعين العلماء ، لكن الشيء المثير هو أن النقيض لا يمكن أن يعيش في مكان واحد مع نقيضه.
فإذا تقابل إلكترون مع إلكترون نقيض ، فلا بد أن يزولا ويتخلّيا عن تجسّدهما المادي ويعودا إلى سيرتهما الأولى ، أي إلى موجات متحررة. والشيء الذي يعتبر أكثر إثارة ودهشة أن لكل شيء في هذا الكون نقيضا ما عدا شيئا واحدا ألا وهو الطاقة أو الموجة المتحررة أو النور ، فلا نقيض له ، وإنما تظهر النقائض فقط عند ما تتجسّد هذه الموجة أو هذا النور أو تلك الطاقة ، ويؤدي إلى خلق الزوجين. لما ذا وكيف؟ لا أحد يدري.
فطبيعة الكون تضع أمامنا حقائق الوجود بصورة مثيرة ، فبداية الخلق أزواج ، والأزواج جسيمات أو هي تجسيد لطاقة أو ومضة أو نور ، خذ منها ما تشاء ، فلا أحد يستطيع هنا أن يؤكد أمرا أو يحدّد شيئا ، كما يقول الدكتور عبد الحسن صالح في بحثه عن الأزواج ، وكلما تعمّقنا في طبائع الأشياء ، وظننا أنا قد وصلنا فيها إلى قرار أشاحت الحقيقة بوجهها وتجلّت لنا أكثر إثارة ووضعتنا في مآزق فكرية جديدة ... إن الذي نعرفه حقا أن المادة تجسيد لطاقة أو قوّة ، وهذه الطاقة وراء حدود العقل والخيال ، وأن هذه الطاقة المتجسّدة تتجسّد أمام أعيننا أزواجا أزواجا ، ولكن ما ذا يعني هذا ...؟ إنه يعني ، وبكل ثقة ، ما أخبر الله عنه قبل قرون طويلة مما يدلّ على عظمته وعلمه وقدرته ، ومما يدلّنا دلالة قاطعة على أن هذا القرآن كلامه ووحيه ، إنه يعني قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات / ٤٩] ، كما