يعني قوله (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) [يس / ٣٦]. ولكن هل هذا كل ما في الأمر؟ .... وهل اقتصرت المكتشفات العلمية على اكتشاف الزوجين في الجسيمات الذريّة من الإلكترون ونقيضه أو البروتون ونقيضه أو النيوترون ونقيضه ، أم أنهم وضعوا أيديهم على أمور أخرى ربما كانت أكثر إثارة ودهشة في هذا الكون ....؟
لا شك أن ما ذكرناه لم يكن كل ما في الأمر مما يتعلّق بالآية ، فقد قال تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ). إذن ، فلا بد أن تكون هناك أمور أخرى عرفها الإنسان المعاصر مما لم يكن يعلمه الناس قديما ، وفيه الإثارة والدهشة مما يذهل عقل الإنسان ، ومما يدل دلالة قاطعة على إعجاز القرآن.
الكون والكون النقيض
لقد سيطرت فكرة الخلق أزواجا ، بعد معادلة ديراك وألواح أندرسون وتجارب العلماء في المعامل الذريّة الضخمة ، لقد سيطرت فكرة الخلق أزواجا على عقول العلماء ، وصار من البديهية اليقينية عندهم أنه من تمام انتظام الكون وتعادله وتوازنه أن يكون الخلق في كل شيء على طريقة الأزواج ، وكأنهم اتخذوا من قوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، كأنهم اتخذوا من هذه الآية دستورا لمباحثهم العلمية ، فكل شيء في هذا الكون يجب أن يكون على نظام الزوجية ، فخلق الإلكترون لا بد أن يصحبه خلق الإلكترون النقيض ، أو البوزيترون ، كما بيناه في الفقرة السابقة ، وخلق النيوترون لا بد أن يصاحبه خلق النيوترون النقيض .... هكذا ...
ولكن صفات الإلكترون تخالف وتناقض تماما صفات البوزيترون أو الإلكترون النقيض ، فإذا دار الإلكترون حول نفسه من اليمين إلى اليسار دار الإلكترون النقيض من اليسار إلى اليمين ، وإذا حمل الإلكترون شحنة كهربائية سالبة حمل البوزيترون شحنة موجبة ، وإذا كان المجال المغناطيسي للألكترون يتّجه إلى الأعلى ، كان المجال لنقيضه يتجه إلى الأسفل ، من أجل هذا كان من المستحيل أن يجتمعا ، فإذا ما قدّر اجتماعهما كان لا بد أن يفني أحدهما الآخر ، وهذا الصراع العنيف الذي يؤدي إلى الفناء يشهده العلماء في معاملهم وفي طبقات الجو العليا وفي الفضاء الخارجي ، إذ كثيرا ما تتجسّد الطاقة ، وعند ذلك تظهر الجسيمات الذرية أزواجا ، فأما الذي في عالمنا فيبقى ، وأما الذي جاء نقيضا لجسيمات عالمنا فلا بد أن يتخلّى عن تجسّده ويفنى ، ويعود ومضة سائحة في هذا الكون الرهيب.