لقد أثبت هذان العالمان أن هذه الأشرطة التي تحفظ أسرار الحياة والصفات الخاصة للكائن الحي ، أنها تتكون من عناصر الأرض ، وذلك لأن الإنسان خلق منها ، فأثبت أن هذه الأشرطة تتكون من أربعة قواعد نتروجينية وهي : «أدنين ، وجوانين وسايتوزين وثايمين» ، ولقد ذهل العلماء حينما رأوا أن هذه المركبات قد جاءت في كل كائن حي أزواجا ، فالأدنين دائما يتزاوج مع الثائمين ، والجوانين دائما يتزاوج مع السايتوزين ، ولا يمكن أبدا أن يتزاوج الأدنين مع الجوانين ، ولا الجوانين مع الثائمين ، ولا السايتوزين مع الأدنين ، ولا الأدنين مع السايتوزين ، كما لا يمكن أبدا أن تختل هذه الأزواج في أي كائن من الكائنات الحية وإلا كانت الكارثة الوراثية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل تعداه إلى أن كل واحدة من هذه القواعد ، الأربعة تتصل بسكر خاص اسمه (ريبوز) ، وهذا السكر يتصل بجزئي من الفوسفات ليكوّن معه زوجا ولا يبتعد عنه ولا ينفصل منه ، وبعد ذلك تتكرر هذه الأزواج في جزيئاتها الوراثية ملايين المرات ، وكل واحد منها يعرف مكانه من الخلية ، كما يعرف زوجه وطبيعته ونوعه فيقترب منه ويرتبط به .. وإذا ما عرفنا أن الخلية الواحدة من جسم الإنسان تحتوي على ثمانية بلايين من هذه القواعد الأربعة ، وكلما ولدت خلية جديدة أخذت معها هذا العدد من البلايين إلا في الخلية الجنسية ، إذ أن الحيوان المنوي يحمل نصف هذا العدد ليلتقي مع البويضة التي تحمل نصف العدد أيضا لتتكون الخلية الأولى ، التي تحمل البلايين الثمانية ، وبعد ذلك تبدأ الأزواج من هذه القواعد الأربعة بإصدار أوامرها لتتكوّن الجينة. إذا ما عرفنا هذا أدركنا سر الزوجية الذي تحدّث عنه القرآن في كل شيء. وهكذا يصل الدكتور هيتو في نهاية فصل الزوجية في كل شيء هذا إلى القول «ولا يسعنا ، في نهاية المطاف في عالم الأزواج في الكون والحياة ، والذي رأينا فيه من خلال مكتشفاتنا وعلومنا الحديثة ما يدل دلالة قاطعة على إعجاز القرآن في مضمار الأخبار عن أسرار الخلق في أعمق أعماقه ، مما كان من المستحيل معرفته على أهل العصر الذي نزل فيه القرآن ، ومما لم يعرفه الإنسان إلا في العصر الحديث ، مما طوّره من الوسائل البصرية وتوصل إليه من وسائل الكشف والمعرفة ، لا يسعنا إلا أن نردد قوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)» [يس / ٣٦].
أما النموذج الثاني الذي نأخذه في إطار التفسير العلمي للقرآن ، فهو نموذج يختلف عن النموذج الأول ، فهو لا يعتبر نفسه أنه يفسر القرآن علميا ، ولكنه يشير إلى ما أسماه التوافقية بين آيات القرآن وحقائق العلوم المكتشفة حديثا ، كما أنه ، حين