والمجرة في قوانين وجودها وحركاتها ، ومن هذه الوحدة درج الناس والعلماء إلى وحدة الكون» .. وإنه هنا لأشبه بالفخر الرازي في كتاب «أسرار التنزيل وأنوار التأويل» حينما تحدث عن معلومات عصره من مبدأ تكون السماوات والأرض ، ومعنى الرتق ، ومعنى الفتق وصولا إلى الاستدلال بصفات السماوات وأحوالها على أن لهما مدبّرا وصانعا ، فهو على خطى سليمة من الضوابط التفسيرية التي وضعها القدماء لتفسير القرآن ، إضافة إلى التزامه بالضوابط التي وضعها المعاصرون للتفسير العلمي.
إن المؤلف يعتقد أن كل تقدّم بشري مقبل سيكون تقدما في عقل الإنسان وملكاته الإبداعية ، ولذا فهو يرى أن (١) «من إعجاز القرآن الكريم إشارته إلى نشأة علوم حديثة لم يعرفها السابقون ، وإنما لفت أنظارهم إليها ، كما وجه أبصارهم إلى دراسة الكون ، وتأمل ظواهره والإحاطة بآيات الله فيه ، وقد حملت آيات القرآن بذور هذا التقدم العلمي وأرشدت إليه وفكّت مغاليقه وتركت للعقل البشري بعد ذلك استعمال رسالته حتى يتحقق من صواب نظريته أو خطئها» ، إنه يعتقد بأن الله دعانا إلى الاستزادة من العلم في قوله تعالى (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه / ١١٤] ، لأنه سبحانه وتعالى يعلم أن علمنا لم ينته بما جاءت به الرسالات من معارف وتوجيهات وإلا ما دعانا لهذه الاستزادة ..
وإذا كان العلم الإنساني يقوم على الجواب على كلمة كيف ، فإن القرآن الكريم يدعونا دعوة واضحة ، لا لبس فيها ، إلى البحث في الجواب عن هذه الكيفية حيث يقول (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية / ١٧ ـ ٢٠] ، فالجواب على هذه الكيفية هو مجال كل العلوم المعروفة لدينا اليوم وتبحثها كل العلوم بحثا دقيقا ، ولكن لما ذا دعانا القرآن لذلك؟ هل لكي نعرف العلوم ونقف عند قوانينها جامدين ونصفها وصفا لا يتجاوز البحث عما وراءها ومن جعلها ومن سبّبها ووضعها؟ يقول المؤلف جوابا على ذلك (٢) «والمتأمل في القرآن الكريم يلاحظ أن القرآن الكريم يعرض الحقائق العلمية في صور مختلفة تنبئ بالحكمة والموعظة الحسنة لكي تحقق الهدف الذي ذكرت من أجله ، وهو هداية الناس إلى بارئهم في خشوع وإكبار لصفة خالق الأكوان ذي الجلال والإكرام».
__________________
(١) الإنسان في الكون بين العلم والقرآن ـ د. عبد العليم عبد الرحمن خضر ، ص ١٤٨.
(٢) المصدر السابق ، ص ١٥١.