التوافقية وتحت عنوانها ويؤكد فيها (١) «إنني أشعر كلما قرأت القرآن الكريم ـ بعد أربعة عشر قرنا من نزوله ـ أنه يتنزل اليوم ، فلم أجد فيه ما يناقض (حقيقة) أثبتها العلم الحديث ، اللهمّ إلا إذا كانت هذه (الحقيقة) نفسها لا تزال أبعد ما تكون عن الحقيقة ، أما الحقائق الثابتة ، فإني أرى صداها في القرآن الكريم» ، وهذا ما يوجب عليه أن ينطق بكلمة معجزة علمية إلا أنه لا يفعل ذلك إلا من خلال استشهاده بنص لمؤلف اسم كتابه «معجزة القرآن» لنعمت صدقي ، فيقول (٢) : «وفي القرآن آيات أخرى اكتشفت معانيها على مر السنين ، أو ما زالت تنتظر ما يجلي معانيها ، وبذلك أثبت العلم الحديث أن القرآن معجزة كل العصور الغابرة والقادمة ، والعالم الذي يتضح له ذلك يقتنع بأن القرآن لم ينزل لتنفيذ تعاليمه في زمن محدود بوقت نزوله ، بل إنه الكتاب الذي يجب أن يظل (سائر المفعول) إلى آخر الزمان ، وتعاليمه مناسبة لكل عصر ، لأن علومه توافق كل عصر ، وما ذلك إلا لأنه من عند الله الذي خلق الإنسان والذي يعلم أحواله وتطورها في كل زمان ، فأنزل ما يتضمن هدايته ومساعدته على الخلافة في الأرض جيلا بعد جيل ، وزمانا بعد زمان».
كما أن المؤلف حتى حينما يستخدم كلمة معجزة ، وهي قليلة جدا ، فهو يضعها في مقابل التوافقية حيث يقول (٣) «فإذا اكتشف الإنسان بالعلم شيئا من تلك الحقائق الكونية في ذلك أيضا شيء من معجزات القرآن ومعجزات الرسول الأمين محمد عليه الصلاة والسلام ، وتحقيق ذلك على أيدي علماء الجغرافية الفلكية المعاصرين ليس فيه ، إلا أنهم جاءوا ببعض ما جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرنا. التوافقية ـ في هذه النقطة ـ موجودة قائمة».
إن التفسير الذي يمكن أن يقبل من المؤلف على ذلك ليس لعدم قناعته الأكيدة بأن الآية والحقيقة تتعامدان تعامدا مؤكدا ، ولا شك أو ظن قد يخطر في البال من التخوف أن تتغير الحقيقة العلمية فنكون قد أخطأنا بفهم الآية ، وهذا يؤكده النفس الإيماني العميق الذي يتكلم به المؤلف في كافة مفرداته وتفاصيله. إن هذا الاستعمال لكلمة التوافقية جاء كبيرا دقيقا وعلميا في مفهوم الكاتب للتعبير عن هذا الاتصال بين الآية والحقيقة العلمية ، ذلك لأن القرآن ، حين ذكر الحقائق الكونية ، لم يستخدم أسلوب البشر في هذا الإثبات ، بل استخدم أسلوب الإشارة والرمز والمجاز والاستعارة ، وبعبارات توحي أو تومض بهذه الحقيقة ، فأسلوبه أدق في التشخيص
__________________
(١) الإنسان في الكون بين العلم والقرآن ـ د. عبد العليم عبد الرحمن خضر ، ص ١٧١.
(٢) المصدر السابق ، ص ١٧٣.
(٣) المصدر السابق ، ص ١٧٧.