من استعمال عبارة المعجزة باستخدام التوافق ، يقول في هذا (١) «إن القرآن الكريم قد عرض كثيرا من الحقائق الكونية ، ولكنه عند ما يعرض أي قضية من قضايا الكون العلمية لا يعرضها بأساليب البشر كاستعمال المقدمات ـ الدلائل ، المعادلات ـ استنباط النتائج وإنما يقدمها بالإشارة أو الرمز أو المجاز أو الاستعارة أو بالعبارات التي تومض في العقل بنور روحي باهر» ، وهذا يعود إلى طبيعة الأسلوب القرآني نفسه ، وإلى أن هذه الحقائق سوف لا تدرك كاملة في عصرها وإنما ستأتي عصور لاحقة تتطور العلوم والمفاهيم خلالها فيستطيع الإنسان فهمها كما أراد الله لها ، وإلا فما معنى أن ينزّل الله قوانين وحقائق لا يستوعبها أهل عصرها ، وتكون عليه أشبه بالظلمات الغامضة ، فاتجه الأسلوب القرآني إلى الرمز والتشبيه وغيرها من الأساليب ، وربطها بالحكمة والإرشاد والهداية لكي تؤدي غرضين في وقت واحد ، غرض يستفيد منه القدماء الذين نزلت الآية في وقتهم وما بعدهم بقليل ، وغرض يستفيد منه اللاحقون بعد تقدم العلوم وانكشاف الغطاء عن الحقائق الكونية الجديدة. فعظمة القرآن هنا تظهر في مخاطبته لجهتين بنفس الأسلوب والمفردات ، ولكن كل منهم يفهم معاني أعمق من الآخر ، ولكن الهداية واحدة للاثنين والإرشاد متساوي عند الطرفين ، وفي ذلك يقول المؤلف (٢) «إن الله سبحانه وتعالى ينزل آيات ، قد لا يدركها أو يفهم حقيقتها وأسرارها في وقت نزولها كل المعاصرين لها ، لأن العلم بقوانين الكون كان محدود الآفاق آنذاك ، ولكن الله سبحانه وتعالى يعلم أن المستقبل سوف يأتي بفرص مناسبة لتوسيع مدلول الآيات الكريمة بما يخدم الإنسان ويرسخ حركته في الكون والحياة ، ويحقق الخلافة في الأرض لبني الإنسان ، قال تعالى (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [فصلت / ٥٣] ، ولا شك أن هذه معجزة ما بعدها معجزة ..».
ينتهي المؤلف بالدعوة إلى منهج إيماني علمي معتمدا على أن (٣) «المنهج الإيماني للدراسات الجغرافية في القرآن والسنّة لا يجد غرابة ولا عجبا أن يأتي القرآن ، وهو المعجزة الكبرى ، بتلك الموافقات والمطابقات لكل ما وصلت إليه العلوم الحديثة من نتائج ، ووصل إليها العلماء بعد مئات السنين من الدراسة والبحث والتأمل ، لأن العلم والدين في الإسلام شيء واحد ، فالعلم يصل بك إلى الدين ، والدين يصل بك إلى العلم ، والمنهج الإيماني قبل كل شيء يؤكد بطريقة علمية أن
__________________
(١) الإنسان في الكون بين العلم والقرآن ـ د. عبد العليم عبد الرحمن خضر ، ص ٢٢٢.
(٢) المصدر السابق ، ص ٢٢٢.
(٣) المصدر السابق ، ص ٢٦٧.