فقدّره تقديرا ، وقد رأينا أن منهج القرآن ، في تناول الظواهر الكونية ، هو الإشارة المجملة إلى بعض الظواهر ، وما أشبهها ، ثم جاء العلم الحديث فكشف كثيرا من الأسرار التي أجمل القرآن الحديث عنها ، وجميعها يدلّ على دقة السنن الإلهية التي وصفها الله لتسيير هذه الظواهر في الكون والحياة.
ومن ذلك مثلا قوله تعالى (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) [فاطر / ٩] ، ومنها نفهم أن الخالق الأعظم قد وضع لنزول المطر قوانين خاصة وجعل للرياح فيها دورا خاصا ، بحمل السحب وإثارة الشحنات الكهربائية المختلفة فتلاقحها ببعض ، أو بذرات الغبار ليتكثف بخار الماء ولكنه لا ينزل إلا حسب القانون الإلهي الخاص بتوزيع المطر على الأرض ، فتذهب السحب إلى البلد الميت (مناطق الجفاف) فيسقط المطر وتزدهر الحياة ، وقد وضع الخالق الأعظم للكائنات نظاما خاصا في المعيشة يسمى نظام المعيشة التعاونية لتسهيل أسباب الحياة ، قال تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام / ٣٨]. وجاءت السنن الكونية في تصنيف الكائنات الحية ، حسب أنماط حياتها في منتهى الدقة ، في ذلك يقول القرآن مشيرا إلى قانون شامل مؤداه أن كل المخلوقات الحية خلقت أساسا من الماء (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [النور / ٤٥]. وقد وضع الخالق الأعظم قانونا ينطبق على كوكبنا الأرضي يختص بتوزيع الضياء والظلام وعلاقتهما بالحياة البشرية ، ودور كل من الشمس والقمر في ذلك ، قال تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام / ٩٦]. ومن أمثلة السنن الكونية العظيمة ، التي توصل إليها العلم أخيرا ، قانون استقرار الأرض وتوازنها ، وما تبع ذلك من قوانين الفطرة التي يخضع لها نظام الأرض لتكون صالحة للحياة ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ما في الأرض من سنن كونية عظيمة ، يقول سبحانه وتعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [النمل / ٦١]. وتشير الآية الكريمة إلى الاستقرار العام الذي تتسم به القشرة الأرضية حاليا ، لأنها ، قبل نشأة الحياة عليها ، لم تكن مستقرة في عصورها الأولى قبل أن تبرد ، وإذا كان استقرار الأرض لا يتصف بالشمولية المطلقة ، على اعتبار وجود مناطق نشطة بالزلازل والبراكين بشكل متقطع ، فإنما ذلك لإحداث التوازن للأرض من جهة ، ومن جهة أخرى لتنبيه البشر إلى قدرة الله سبحانه وتعالى وأخذه