بناصية الأرض وكل من عليها ، شأنها في ذلك شأن جميع أجرام الكون.
كما تشير الآية الكريمة إلى قانون من قوانين الفطرة التي تشملها سنن الله الكونية ، وهو قانون التوتر السطحي الذي يخضع له الماء ، سواء العذب منه أو المالح ، بحيث لا يختلط أحدهما بالآخر عند لقاء الأنهار بالبحار والمحيطات ، وتتلخص تلك الظاهرة في عدم الاختلاط الفوري لمياه البحر المالحة بالمياه العذبة للأنهار الكبيرة ... كما نجد قانون الفطرة الخاص بتولد الرعد والبرق في السماء ، يخضع الظاهرة لما يسمى بالكهربائية الكونية التي تتولد من احتكاك السحاب ، يقول سبحانه جلّ من قائل عليما (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) [الرعد / ١٢] ، ويقول سبحانه وتعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) [النور / ٤٣] ، إنها سنن الله الكونية التي أودعها في هذا الكون الكبير ليسير كل شيء فيه وفق تخطيط مسبق وإرادة إلهية عليا منظمة ، وانسجام كامل في كل الموجودات. فكل شيء في هذا الكون الفسيح من الذرة والمجرات العملاقة يسير وفق هندسة إلهية وتقدير محكم ونظام دقيق. فالذرة المتناهية في الصغر عالم هائل فيه هندسة وحركة وقوانين وطاقة ، وكل شيء فيها يسير وفق تقدير مطلق الدقة».
وبعد أن ينتهي الدكتور عبد العليم من حديثه عن كيفية سير الكون والدقة والتوازن الذي يحكمه ، يأتي في فصل آخر بعنوان (النسبية في قوانين الحركة الكونية بين المفهوم العلمي ومنهج القرآن) ، وفي فقرة (قوانين الديناميكا الحرارية ونهاية الكون) ليقول فيها «إن هذا الكون كانت له بداية هي الدخان (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت / ١١] ، ولم يكن أزليا ولن يكون بصورته هذه أبديا ، فلا بد أن سيكون له يوم تكون فيه النهاية ، لأن قوانين الديناميكا الحرارية والطاقة المتاحة يؤكدان أن الحرارة تنتقل دائما من وجود حراري إلى وجود غير حراري ، وباستمرار هذا العملية لا بد أن يأتي وقت تتساوى فيه حرارة جميع الموجودات فتنتهي كل العمليات الكيميائية والطبيعية ، وبانتهائها تنتهي الحياة تلقائيا على أرضنا وما يشبهها من كواكب الأكوان البعيدة. وهذا الكون العظيم المعجزة في بنائه ، المذهل في اتساعه ، الرائع في حركته واتزانه ، هذا الاتزان الدقيق الذي لو اختل شعرة ، في أمر من أموره ، لا نفرط عقد هذا الكون وانهار كل ما فيه ومن فيه ، ولمّا كان هذا الكون منذ ملايين السنين يسير على نفس السنن فإن الذي يصونه مما قد يتعرّض له من كوارث هو الله ، هو الله