الذي لو رفع عنا حمايته برهة من زمن لهلكنا وهلك كل من معنا ، هو الله الذي جعل أرضنا في هذا الموقع الممتاز الذي يقدر بعده بحوالي ٩٣ مليون ميل من الشمس ، ولو كان قد جعلها ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كمية الحرارة التي تصلنا إلى ربع كميتها الحالية ، أي إن الحياة كانت تقتصر على شريط ضيق فقط حول خط الاستواء الذي تصير درجة حرارة المناطق المحيطة به حوالي ١٢ م فقط طول العام ، وتهلك الحياة فوق باقي أجزاء الكوكب ... هذا طبعا إذا لم نأخذ في الاعتبار مسائل أخرى.
إن مجرد ابتعاد الأرض عن الشمس بحوالي ١٨٦ مليون ميل فقط أمر يجعل الأرض تقطع دورتها حول الشمس في وقت أطول مما يترتب عليه طول فترة الشتاء إلى ما يزيد عن زمن يساوي السنة التي نعرفها الآن ، وهي ظروف يستحيل معها بقاء صور الحياة فوق الكوكب ، وهو الله الذي جعل أرضنا في هذا الموقع الممتاز الذي لو كان أقل من ذلك ، النصف مثلا [(٥ ، ٤٦) مليون ميل] ، لصارت سرعة الأرض أعظم وحرارتها أشد ، حتى تتبخر المياه في نخاع جميع الكائنات فوقها ، ولاندلعت الحرائق في كل شبر منها ، ولأصبحت مثل الكوكب عطارد تماما ، وهو الله الذي جعل أرضنا في مثل هذا الحجم المثالي ، ولو كان قد أراد لأرضنا غير ذلك ـ حسب مشيئته تعالى – كأن تكون في مثل ٤ / ١ حجمها الحالي لما أمكن أن تحتفظ بغلافها الجوي الذي لولاه لانعدمت الحياة بسبب غياب عنصر الأوكسجين ، وتنعدم النباتات لانعدام المياه ، وينعدم ظهور الشفق قبل الغروب وبعد الغروب ، ويهجم الظلام على ضوء النهار فجأة ، كما يطلع النهار ويتبدد الظلام فجأة ، ويصبح الفرق في درجة حرارة سطح الأرض ليلا ونهارا فرقا كبيرا قد يبلغ مئات الدرجات ، وتصبح الأرض معرضة لمزيد من الأشعة الكونية القاتلة لكل شيء في طريقها ، ويصبح انتقال الصوت من مكان لآخر صعبا ، وتنعدم السحب ، وتختفي الأمطار ، وتجف الأنهار ، وتسودّ صفحة السماء بعد زرقة ، وتظهر النجوم نهارا كظهورها ليلا ، وكل ذلك يذكرنا بهول يوم القيامة حيث يقول سبحانه وتعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن / ٢٦ ـ ٢٨] ، ولا يملك التعبير البشري أن يصور الموقف ، ولا يملك أن يزيد شيئا على النص القرآني الذي يسكب في الجوانح السكون الخاشع والجلال الغامر والصمت الرهيب ، الصمت الذي يرسم مشهد الفناء الخاوي ، وسكون الموت بلا حركة في جنبات الكون الذي كان حافلا بالحركة والحياة ، كل شيء سيتغير (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ