لوعده سبحانه وتعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) [فصلت / ٥٣] ، وبعض المفسرين يرى في معنى قوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أي غاض ماؤها ، وملئت بالنار بدل الماء ، ولا غرابة ، فباطن الأرض شديد الحرارة جدا بدليل البراكين التي تخرج منه ، وليس ببعيد عند ما تأتي النهاية أن تتشقق الأرض ويغيض الماء لتبخره في الجو بردا ، ويمتلئ البحر بالنار التي تخرج من باطن الأرض».
أما النموذج الثالث لتفسير القرآن تفسيرا علميا فإنه مع تصورات الأقدمين ، التي ذكرناها ، من أن القرآن فيه كل علم وكل معرفة حتى عدّوا العلوم بسبعين ألف علم وأكثر ، وما ذكره ابن مسعود أن فيه علم الأولين والآخرين ، وما ذكره الغزالي عن أن تحت كل كلمة من كلمات القرآن علم ، لأن القرآن يتحدث عن صفات الله وأفعاله ، والكون هو من خلق الله وأفعاله ، وما ذكره ابن مجاهد أنه ما من شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله ، وما قاله ابن أبي الفضل المرسي من أن القرآن جمع علوم الأولين والآخرين ، بل ويستشهد السيوطي لأبي البكر بن عربي من أن القرآن فيه علوم على عدد كلمات القرآن مضروبة في أربعة ، لأن لكل كلمة ظهر وبطن وحد ومطلع ، عدا ترتيبها والروابط بينها ، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله ، بل ويعتبر بعض القدماء أن حدود علم الله لا نهاية لها ، مستشهدين بقوله تعالى في القرآن (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان / ٢٧](قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف / ١٠٩] وآخر من قال به ، بهذا المعنى ، الفخر الرازي الذي قال (١) : «ما من حرف ولا حركة في القرآن إلا وفيه فائدة ، ثم إن العقول البشرية تدرك بعضها ولا تصل أكثرها وما أوتي البشر من العلم إلا قليلا».
يلتقي هذا النموذج الثالث مع جميع هذه الأوصاف للقرآن ويحاول البرهنة عليها بكتاب كامل اسمه (القرآن تفسير الكون والحياة) للأستاذ محمد العفيفي ، أي أن هذا الكتاب يحقق ويؤمن بأن القرآن فيه تفسير كل شيء ، وفيه الحقيقة المطلقة ، وفيه الثبات الحقيقي في الحياة ، وهو التطابق بين كلمات القرآن وبين تغيرات الحياة ومكتشفات العلم ، ويعتبر أن القرآن يقول الفصل في كل شيء لأن فيه علم كل شيء ، ويؤكد على أن في العالم كتابا واحدا قدم للناس جميعا حقائق العلم قبل أن تثبت في معارك العلاقات بين الوعي البشري وبين مادة الكون ، ويقول بأن القرآن ،
__________________
(١) الإنسان في الكون بين العلم والقرآن ـ د. عبد العليم عبد الرحمن خضر ، ص ٢٢٢.