بصفته كلام الله تعالى ، هو اليقين الوحيد في عالمنا الذي تختلف مادته ولا تتفق بغير قدرة الله ، ويرى بأن الحق هو ظهير الكلمة ، فإن عبدنا الحق صدقت كلماتنا ، وإن أخضعنا كلماتنا لكلمات الله فزنا بالعلم كله ، بل إنه يصر على أن القرآن ، حقا ، هو تفسير الحياة ، ولا يمكن أن يكون للحياة تفسير غير القرآن ، ويقصد بالحياة الكون والوجود كله ، ويشير بتعبير آخر إلى أن القرآن هو التفسير لليقين الوحيد المطلق لكل شيء في الحياة في شمولها وتفصيلها ، وأن سائر علوم الحياة وسائر بحوثنا في صحيح المادة إنما هو أمر سبقنا القرآن إلى بيانه ، ودعانا إلى معرفته ، وأن علماء العالم لو اجتمعوا كلهم على الآيات القرآنية الكونية لاكتشفوا سبق القرآن للوعي البشري إلى اكتشاف كل الحقائق ، ثم يفسر قوله بأن العلم الذي أنزله الله تعالى على رسوله في القرآن هو علم الصلة بين كل شيء وكل شيء من طريق تفصيل الحياة بالخلق وتفصيل القرآن بالأمر.
وهكذا ينتهي إلى القول بأن صلة الوعي البشري بالحياة كلها احتمالات وتغيرات ومفاجآت وانقطاع عن العلم الحقيقي ، ولو لا القرآن ، الذي أعان الوعي البشري على اكتشاف العلوم ، لبقي الإنسان في حيرة من أمره. ثم يختم تصوراته بأن الإيمان هو أعلى درجات العلم ، وأنه لا علم البتة إلا وهو الإيمان ، لأن عمل الإنسان إذا انقطع إلى نفسه فهو احتمالات في احتمالات في حين أن اليقين والثبات لا يكونا إلا بارتباط هذا العمل بالحقيقة ، والحقيقة هي في كلام الله (١) «إن العمل الإنساني متحقق حقه في البقاء إن كان عملا إنسانيا صالحا ، والله هو الذي يحقه ، فبقاؤه إنما يتم بإحقاق الله له» ، ويقول : لا وجود ولا عمل ـ للإنسان ـ بغير خلق الله للإنسان ولمادة الحياة ، ثم يعمل الإنسان عملا احتماليا لا يتحقق إلا بالحق ، والحق هو الله ، والحق يهدي إلى الحق ، أي أن التزام الحق في العمل يحقق احتماليته ، فيجعلها متحققة بالحق أو باطلة بإبطال الحق لها ، فالاحتمال في حدود عمل الإنسان واليقين هو خلق الله (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات / ٩٦] ، ويصل إلى إثبات أن القيمة الحقيقية هي عبادة كل شيء لله ، وأن القرآن هو التفسير الحقيقي لكل أحوال الحياة لأن القرآن مفصل تفصيلا مطلقا بينما الحياة مختلفة.
إذن ، فهذا النموذج في التفسير للقرآن يعطي كل كلمات المبالغة عن القرآن حقيقتها في القرن العشرين ، بعد أن أعطاها القدماء حقيقتها حينما جعلوا كل العلوم تصب وتنبع
__________________
(١) القرآن تفسير الكون والحياة ـ محمّد العفيفي ، ص ٩٧.