يبدأ المؤلف تحديد منهجه في الكتاب في الفصل الأول ، الذي أعطاه عنوان (وتفصيل كل شيء) ، منطلقا من أن حقيقة القرآن أن فيه تفصيل كل شيء ، لا بمعنى تفصيلات المادة وجزئياتها ومعادلاتها وكيميائيتها وإنما بمعنى أن كلام الله الشامل المهيمن على تفصيلات المادة بتفصيلات الحقيقة المحيطة بسائر علاقات الأشياء بعضها ببعض ، أي أن الحقائق الفكرية الشاملة في القرآن تحكم الوقائع المادية الكثيرة في الحياة ، والحقيقة القرآن ثابتة لا تتغير ، في حين أن وقائع الحياة المادية تحكمها التغيرات والتضاد والاتصال ، لذا فإن الحقيقة القرآنية هي فوق الوقائع المادية وتحكم حركتها وتغيرها وتضادها بمقولتها الفكرية ، ولهذا فهي فوق الحياة ، وتهيمن على تفاصيلها ، ولو كانت ضمن الحياة لشملتها صفة الحياة التي هي التغير ـ كما هو الحال مع كلام البشر ـ الذي يتغير مع الحياة ليلا حق ظواهرها ولأنه منها وضمنها ، ويدلّ على هذا أن الحقيقة المطلقة الثابتة التي لا تتغير هي كلمات القرآن وحده ، في حين جميع حقائق البشر المكتشفة هي نسبية واحتمالية وقد تتغير مع كل جديد وعلم جديد.
إن كلمة «وتفصيل كل شيء» القرآنية يفهمها المؤلف فهما شاملا ، فهي بمعنى أن الحياة لمّا كانت مفصّلة في مفرداتها تفصيلا دقيقا وفي كل مفرداتها ، لذا فإن كلمات القرآن المعبرة عن هذه التفصيلات المتكاثرة بتفصيل يطابقها مطابقة الحقيقة للواقع ، ويعتبر أن التفصيل القرآني هو معجزة لكلمات القرآن وآياته جميعا ، وأي كلمة قرآنية وردت مرة واحدة فيجب أن يكون واقعها المادي واحدا أيضا ، وإذا وردت أكثر من مرة كان واقعها معها يتناسب ويتناظر مع العلاقة بين الكلمة وعلاقاتها في الجملة الكلامية ، وتشابك علاقات الواقعة أو المعنى المادي المشيرة إليه في واقع الحياة وتشابكاتها.
ولذا يصف الكاتب هذا التفصيل المعجزة بقوله بأنه (١) «تفصيل مطلق شامل ، يتّصل بكلمات القرآن جميعا ، كما يتصل بمواضع الخضوع لها في وقائع الحياة ، سواء كانت وقائع فكرية أو عملية في المجتمع الإنساني ، أو في رحاب الكون المادي نفسه» ..
إن كلمة «تفصيل» وردت في القرآن مرتين ، كما يقول المؤلف ، وردت في سورة الأعراف في قوله تعالى (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
__________________
(١) القرآن تفسير الكون والحياة ـ محمّد العفيفي ، ص ١٦.