ينصب إلّا على أن القرآن له السبق التاريخي في هذا ، وأنّه جاء عن طريق رجل أمّي لا يقرأ ولا يكتب ، في حين هو يفحم علماء القرن.
إذن ، ما دمنا قد فهمنا في القرن العشرين أسرار الحياة والكون والذّرّة ، فلنا إعجازنا نحن أيضا بقدرتنا على هذا التطور والتقدّم ، وبذلك أصبحت كثير من المعجزات العلمية ـ لا كلّها ـ في القرآن مسلّما بها في العلوم ، فكيف أستطيع أن أدعو إلى الإسلام والقرآن بعد أن انكشفت معالم الحياة والكون أمام الإنسان الجديد ، فاستطاع أن يفهم الكثير ، وحتى إذا ما قلت له إن هذا الإعجاز العلمي يدل على أن القرآن ليس من كلام البشر ، فهو لا بد أن يكون من عند الله تعالى ، وإذا ما صدّق المستمع هذا القول فإنه سيبقى يطالب بدليل إعجازي مستقبلي مستحيل حتى على نظرياته العلمية واكتشافاته الجديدة أن تصل إليه ، وهنا يأتي إعجاز الإسراء والمعراج كدليل لاستحالة كل ما جاء به على قدرة البشر مهما توصّلوا إلى تقدم وتقنية.
والإسراء والمعراج ليس آية تقرأ في القرآن ثم نحاول أن نبني عليها افتراضاتنا العلمية ، أي إنّها ليست خبرا وإنما حدثا واقعيا وقع للرسول صلىاللهعليهوسلم وعاشه بكيانه المادي الطبيعي ، فهو يتجاوز الإخبار بالحقائق العلمية المحتملة إلى الحوادث الواقعية المعاشة من قبل الرّسول صلىاللهعليهوسلم في رحلته المباركة ، فإذا ما قال القرآن الكريم (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء / ٣٠] أو قال (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) [الأنبياء / ٣٠] فهذا يمكن طرحه كفرضية علمية ، والبرهنة عليه من خلال المختبرات والمجاهر والتلسكوبات ونظريات الفيزياء الذرية والكونية ، ولكن حينما يقول القرآن الكريم إن محمّدا صلىاللهعليهوسلم انتقل عبر (دابة) من مكة إلى القدس ، ومن القدس عبر المعراج إلى السماوات العلى ، فهذا لا يبقى تحت التجربة العلمية لأنه يتجاوز كل الفرضية العلمية المعروفة حتى اليوم إلى ما هو أبعد من خيال أي عالم أو أديب ، فكيف يتحقّق ماديا وطبيعيا؟ بل إنه قد يتناقض مع مفردات العلوم الحديثة متجاوزا لها إلى أبعد مما يتصور الخيال. فإذا كانت العلوم الحديثة لا تستطيع أن تنقل الإنسان إلى القمر إلّا عبر التكنلوجيا المعقدة وأجهزة التنفس الصناعية ، فكيف بها إذا واجهت تحدّي اختراق السماوات العلى كلها في ليلة واحدة؟ وإذا ما رفض الإنسان أن يصدّق بمعجزة الإسراء والمعراج فسوف يجابه بمئات المعجزات العلمية التي تحقّقت اليوم قد أشار لها القرآن وحدّدها قبل ألف وأربعمائة سنة؟ فالذي يصدّق بمئات المعجزات العلمية ، والتي ليس ثمة تجربة علمية سبقتها للدلالة عليها ، وإنما هي آية من كلمات فقط جاء بها الرّسول صلىاللهعليهوسلم وهو أمّي لا يقرأ ولا يكتب ، هذا