فصل :
في وصف وجوه من البلاغة
ذكر بعض أهل الأدب والكلام : أن البلاغة على عشرة أقسام : الإيجاز ، والتشبيه ، والاستعارة ، والتلاؤم ، والفواصل ، والتجانس ، والتصريف ، والتضمين ، والمبالغة ، وحسن البيان.
فأما الإيجاز فإنما يسن مع ترك الإخلال باللفظ والمعنى. فيأتي باللفظ القليل الشامل لأمور كثيرة. وذلك ينقسم إلى حذف وقصر. فالحذف : الإسقاط للتخفيف كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) وقوله : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) (٢) وحذف الجواب كقوله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) (٣) كأنه قيل : لكان هذا القرآن ، والحذف أبلغ من الذكر ، لأن النفس تذهب كل مذهب في القصد من الجواب. والإيجاز بالقصد كقوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٤) وقوله : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) (٥) وقوله : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٦) وقوله : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٧).
والإطناب فيه بلاغة ، فأما التطويل ففيه عيّ.
وأما التشبيه بالعقد على أن أحد الشيئين يسد مسد الآخر في حس أو عقل ، كقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) (٨) وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) (٩)
__________________
(١) آية (٨٢) سورة يوسف.
(٢) آية (٢١) سورة محمد.
(٣) آية (٣١) سورة الرعد.
(٤) آية (١٧٩) سورة البقرة.
(٥) آية (٤) سورة المنافقون.
(٦) آية (٢٣) سورة يونس.
(٧) آية (٤٣) سورة فاطر.
(٨) آية (٣٩) سورة النور.
(٩) آية (١٨) سورة إبراهيم.