حرية التعاقد في الإسلام
وهناك نقطة أخرى في هذه الآية أثارها الفقهاء ، وهي قضية حرية التعاقد في الشريعة الإسلامية. فهل للإسلام عقود محدّدة ، وأساليب خاصة للتعامل ، ولا يجوز بالتالي ، العدول عنها إلى غيرها ، كما لا يجوز استحداث أشياء جديدة بعيدا عنها ، أم أنّ الإسلام أعطى الإنسان حرية التحرك مع ما ينسجم وحاجاته المتطورة بحيث يجوز له استحداث أساليب تعامل جديدة ، سواء في ما يتعلق بخصوصيات المعاملات في ذاتها ، أو في أسلوب ممارستها؟ ذهب بعضهم إلى الرأي الأول انطلاقا من أنّ هذه الآية واردة في معرض الإمضاء للعقود المتعارفة في العهد الأول للإسلام ، فلا بدّ للعقود المستحدثة من تشريع جديد ، تماما كما هو الرأي في اعتبارها واردة للحديث عن عهود أهل الجاهلية ، إذ كلا الرأيين ينطلقان من نظرة الآية إلى الواقع ، لا إلى المبدأ.
وذهب بعضهم إلى الرأي الثاني انطلاقا من أنّ العموم في الآية يدل على شمولها لكل عقد سواء كان من العقود المتعارفة لدى النّاس في العصور السابقة أو من العقود المستحدثة في المعاملات الحاضرة ، أو كان من العقود التي يحتاج النّاس إلى استحداثها في المستقبل.
وليس هناك أي وجه لتخصيص ذلك بما ذكر ، لأنّ الجانب الإمضائي الّذي يتحدّث عنه الرأي الأوّل ، لا يملك دليلا مخصصا بل قد يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ، فيرى أنّ الله ترك للنّاس أمر التعامل ، فلم يشرع لهم فيه شريعة خاصة من حيث الشكل والمضمون ، بل كل ما هناك أنّه وضع قواعد عامّة للأسس الّتي ينبغي لهم أن يسيروا عليها في ممارستهم أو استحداثهم ، فمن أخذ بهذه القواعد ، كان له أن يمارس حريته في التعامل كيف شاء وبالطريقة الّتي تناسبه ، ونحن نميل إلى هذا الرأي. وبذلك نجد أنّ ما يستحدثه