الحيوان ، ورأوا في ذلك نوعا من الوحشيّة الإنسانيّة الّتي لا تختلف في طبيعتها وفي شكلها عن وحشيّة السباع.
والجواب عن ذلك ، أنَّ مسألة الحياة لا تعالج بهذه الطريقة وأنَّ الرحمة ليست حالة شعورية تنطلق من الإحساس الساذج. فالحياة هبة الله للمخلوق الحّي ، وقد أراد لها الاستمرار وفق شروط حيويّة خاصة قوامها الاعتماد المتبادل فيما بينها في عمليّة التغذي ، كما نلاحظ ذلك في عالم الحيوان ـ غير النباتي ـ الَّذي لا مجال لبقاء حياته واستمرار نظامه الوجودي إلَّا بأن يأكل بعضه بعضا بمختلف الوسائل المتنوّعة ، الأمر الَّذي يوحي بأنَّ نظام الخلق للحيوانات المختلفة في قوتها وضعفها في أصل وجودها قائمٌ على ذلك ، بحيث كانت سنَّة الكون منطلقة من المصلحة العميقة في حركة الحياة.
وليس الإنسان بدعا من عالم الحيوان ، في نظام التغذية ، في حاجته الوجوديّة إلى أكل الحيوان ـ في نطاق خاص ـ فإنَّ استمرار حياته ـ في عناصرها القوية ـ يتوقف على ذلك.
وفي ضوء ذلك ، نجد أنَّ مسألة مصادرة الحياة ليست شرّا مطلقا في ذاتها ، بل هي ضرورةٌ لاستمرار حياة أخرى يخضع لها النظام الكوني ، بحيث لو لا ذلك لانهارت الحياة نفسها وفقدت القدرة على الاستمرار ، مما يجعلها داخلةٌ في عمق تنظيم الحياة نفسها تنوعا وتكاملا وترابطا متبادلا.
وهكذا نلتقي بمسألة التعذيب ، الحاصل من الذبح ، فإنَّه تماما كالتعذيب الحاصل من الافتراس في تغذية الحيوان من الحيوان ، ولا بُدَّ من تجاوز قبحه بالتركيز على أنَّ الله جعله من شؤون الفطرة في أصل الخلق مما تتقدم فيه المصلحة في جانبها الإيجابي على المفسدة في جانبها السلبي. وبذلك نعرف أنَّ الرحمة أمرٌ نسبيٌّ إذا ما قيست إلى المصلحة المتوخاة ، بالإضافة إلى الجانب الشعوري ، فقد يكون الشيء رحمة من جانب علاقته بالنظام العام وإن