المتمثّل بمنطق الفطرة في لسان الحال وسرّ الخلق لا بالطريقة المباشرة في الالتزام الصادر من الإنسان أمام الله كما جاءت به بعض روايات عالم الذر. وربّما كان المراد به أحد هذه الوجوه ، وذلك انسجاما مع منطوق الآية الّذي يوحي بأنّ هناك ميثاقا وعهدا من المؤمنين ، ووعدا والتزاما بالسمع الطاعة ، وربّما كان هذا الأسلوب القرآني واردا على طريقة الإيحاء من حيث اقتضاء الالتزام بالإيمان ، فيكون معناه الالتزام بالسمع والطاعة كما لو كانوا قد قالوا ذلك وأعلنوه ، فكأنّ القرآن يذكّر المؤمنين بذلك لئلا يغفلوا عنه وعن نتائجه في ما يواجهونه من مشاغل الحياة ومشاكلها الّتي تبعدهم عن هذه الأجواء ، ليظلوا على وعي بحقيقته ومدلوله في حياتهم الخاصة والعامّة ، وليعرفوا ـ بعمق المعرفة الواعية ـ أنّ الميثاق الإيماني ليس مجرد التزام بالفكر ، ولكنّه التزام عملي يتمثّل بالسمع والطاعة على مستوى الممارسة والحياة. ولذلك عقّبه الله بالدعوة إلى التقوى الّتي تمثّل مراقبة الله في الوصول بالميثاق إلى أهدافه العمليّة الممتدة في حياة الإنسان ، في إيحاء ختامي بأنّ (اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، ليعيش الإنسان الإحساس الداخلي بأنّ الله يعلم بكل خفاياه وأسراره ، فيدفعه ذلك إلى الإخلاص في النيّة والعمل ، لأنّ الزيف والنفاق قد يخدعان النّاس من حوله ، ولكنّهما لا يخدعان الله الّذي يعلم سر الإنسان وعلانيته ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
* * *