العدل شعار الإسلام
وفي مطلق الأحوال ، يظل العدل شعار الإسلام في الحياة ، وينطلق القرآن ليؤكد عليه في بناء شخصيّة الإنسان المسلم بمختلف الأساليب ، من أجل إلغاء كل النوازع والأفكار والمشاعر المنحرفة من تكوينه الذاتي ، لئلا تحول بينه وبين الانسجام مع حركة الخط المستقيم في الحياة.
وجاءت هذه الآية لتتحدث عن ذلك من بعض جوانبه الحادّة الّتي قد تؤدي بالإنسان إلى الانحراف ، فأطلقت المبدأ الأساس في طبيعة الموقف الّذي ينبغي للمؤمنين أن يقفوه ، فدعتهم إلى أن يكونوا قوّامين لله بحيث تكون حياتهم كلها قياما له ، وانفتاحا عليه ، والتزاما برضاه ، في كل ما يفكرون به ويتطلعون إليه ويقومون به من أعمال ، ويمارسونه من علاقات ، ويهتمون به من قضايا ومواقف .. فليس هناك مكان في شخصيتهم ، في كل ما يختزنونه من دوافع ويعيشونه من مشاعر وأحاسيس ، لغير الله ، وبذلك يصبح الإنسان خاضعا في موقفه في كل العلاقات الإيجابيّة والسلبيّة لرضى الله ، وفي ضوء ذلك ، أرادت منهم أن يكونوا (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) ـ وهو العدل ـ لأنّ ذلك هو مقياس الارتباط بالله والابتعاد عن غيره ، لما يستلزمه الارتباط بالحق من رؤية صافية واضحة لا يحول الضباب بينها وبين واقع الأشياء ، فالمؤمن ينظر بنور الله الّذي أودعه في قلبه ، ونور الله لا يخطئ ولا ينحرف عن خط الحقيقة. وبذلك تكون الشهادة بالقسط حركة الإيمان الواعي في حياة المؤمن ، وبهذه الروح لا مكان للعداوة والصداقة في هذا المجال ، فليس للمؤمن أن يفكر بهما في ما ينطلقان فيه من مشاعر ، وما يتحركان به من مواقف ، بل كل فكره ـ عند أيّة قضية ـ الله والحق ، فهما الهاجس في كل شيء.
ويؤكد الله هذا الجانب من الموقف في قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي لا يحملنّكم.