وهذا ما حصل عليه بنو إسرائيل كما تبيّن لنا الآية ، فهم قد نقضوا الميثاق ، وحرّفوا الكلم عن مواضعه ، فزيّفوا الحقيقة وانحرفوا بالفكر عن مساره الطبيعي في وحي الله ، ونسوا حظّا مما ذكروا به من آياته الّتي تفتح قلوبهم وضمائرهم على النور الآتي منه ، وبذلك لعنهم الله ، وأبعدهم عن ساحة رحمته ، ومنعهم من لطفه وعنايته الّتي تلين بها قلوبهم للخير بسبب كفرهم ونقضهم للميثاق ، فأدّى ذلك إلى قسوة قلوبهم ، حتّى أنّها لا تنبض بأي شعور للرحمة أو للخير أو للسلام. ومرّ الزمن ، وتعاقبت الأجيال ، وما زال الخط المنحرف يفرض نفسه على ساحتهم ، وجاء دور أحفادهم ممن عاصروا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووقفوا أمام الدعوة الجديدة ، فخانوه بعد أن أعطوه العهود والمواثيق على الإخلاص ، ففي كل يوم يطّلع على خيانة جديدة منهم ، إلّا القليلين الّذين عاشوا بعض الإخلاص لكلماتهم وعهدهم. وكان التوجيه للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعفو عنهم ويصفح ويصبر ، إحسانا منه لهم ، كأسلوب من أساليب احتواء الساحة بالمحبة من أجل أن تتحرك القوّة من موقع القلب المفتوح ، والرحمة الواسعة ، وذلك في نطاق المرحلة ، وفي خط الدعوة الّذي يمتد حتّى لا يترك مجالا للامتداد ، ثمّ يتحول إلى خط المواجهة ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وقد ثبت في تاريخ السيرة النبوية الشريفة أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عامل اليهود بكل طوائفهم المقيمين حول المدينة أفضل معاملة ، فقد أدخلهم في المعاهدة العامة الّتي عقدها بين طوائف أهل المدينة ، وربطهم بالواقع الاجتماعي للمجتمع المسلّم ، وعاهدهم على الامتناع عن حربه ومساعدة أعدائه ، ليحصلوا في مقابل ذلك على الأمن على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ، وليتمتعوا ـ في نطاق هذه المعاهدة ـ بالحريات الكاملة. وقد جرت الحياة بينهم وبين المسلمين على هذا الخط ، فلم يحدث بينهم وبين المجتمع المسلّم أيّ إشكال إلّا ما يحدث في داخل أيّ مجتمع من السلبيات الجزئية الطارئة بين