(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٧٣)
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) في نصب شيء قولان : أحدهما أن يكون التقدير : لا يملكون أن يرزقوهم شيئا وهو قول الكوفيين (١) ، ونصبه عند الأخفش وغيره من البصريين على البدل من رزق. قال الأخفش : والمعنى : لا يملكون لهم رزقا قليلا ولا كثيرا ، وقال غيره : لا يجوز أن يكون منصوبا برزق لأنه اسم ليس بمصدر كما لا يجوز : عجبت من دهن زيد لحيته ، حتّى يقول من دهن. (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) على المعنى لأن «ما» في المعنى لجماعة.
(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧٤)
(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) فيه قولان : أحدهما لا تمثّلوا لله جلّ وعزّ بخلقه فتقولوا : هو محتاج إلى شريك ومشاور فإن هذا إنما هو لمن لا يعلم ، ودلّ على هذا (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، والقول الآخر لا تمثّلوا خلق الله جلّ وعزّ به فتجعلوا لهم من الأهبة مثل ما له.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٧٥)
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) أي من الرقّ. (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) أي فكما لا يستوي هذان عندكم فيجب أن لا يسوّوا بين الأصنام وهي لا تعقل ولا تنفع وبين الله جلّ وعزّ في العبادة. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي على ما دلّنا من توحيده (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فيه قولان : أحدهما أنّ فعلهم فعل من لا يعلم وإن كانوا يعلمون والآخر أنهم لا يعلمون وعليهم أن يعلموا.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٧٦)
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) وإذا كان أبكم ضعيفا فهو ثقيل على وليّه أينما يوجّهه أي إن وجهه لشيء من منافع الدنيا لم يأت بخير. (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) معطوف على المضمر في يستوي وهو توكيد ، وحسن العطف على المضمر المرفوع لمّا وكّدته لأنه التوكيد يعينه فكأنّه بارز من الفعل.
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ١١٠ ، والبحر المحيط ٥ / ٥٠٠.