فهؤلاء الذين يوادّون غير المؤمنين ، ويلقون بأنفسهم فى أهل الكتاب ، ويوثقّون صلاتهم بهم ، إنما يفعلون هذا ليكون لهم منه شفيع عند أهل الكتاب ، إذا كان لهم الغلب يوما على المؤمنين ، فلا يصيبهم من الدائرة ـ وهى الهزيمة وما يلحق أصحابها من أذى ـ ما يصيب المؤمنين ، إذا هم أصابتهم الدائرة التي يتوقعها المنافقون لهم.
وقوله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) هو وعيد للمنافقين بما يملأ قلوبهم حسرة وندما ، إذ جاء تدبيرهم وبالا عليهم وخسرانا لهم ، حين قدّروا أن الدائرة ستدور على المؤمنين ، فأخلوا مكانهم من بينهم ، واتخذوا أهل الكتاب أولياءهم ـ ثم هو وعد كريم من الله ، يجىء بتلك البشريات المسعدة للمؤمنين ، وبأنهم هم المنتصرون ، وأن الخزي والخذلان لأعدائهم ، ولمن انضوى إليهم من منافقين .. (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) الذي يمكّن للمؤمنين من أعدائهم ، وقد جاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس فى دين الله أفواجا فدالت دولة الشرك ، وذهبت ريح النفاق والمنافقين.
وقوله تعالى : (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) أي تدبير من عند الله ، يجىء على غير انتظار ، وعلى غير عمل من المؤمنين ، كأن يوقع الشقاق والخلاف بين أحلاف السوء ومجتمع الضلال ، فيفضح بعضهم بعضا ، ويخذل بعضهم بعضا ، فإذا أولياء الأمس أعداء اليوم ، يبرأ بعضهم من بعض.
وحمل هذا الوعد الكريم من الله للمؤمنين على يدى فعل الرجاء «عسى» إنما ليقيم المسلمين على رجاء وأمل فى رحمة الله بهم ، وفضله عليهم ، فتظل قلوبهم شاخصة إلى الله ، ذاكرة له ، ترقب غيوث رحمته ، وفواضل نعمه .. ولو جاء هذا الوعد الكريم قاطعا منجزا لما بعث فى القلوب المؤمنة تلك