مما أرادوا ، وكلّ ما أمسكوا به فى أيديهم ، هو صور باهتة ، إن دلّت على شىء ، فإنما تدلّ على تأكيد هذه الحقيقة ، وهى أن «الخلق» لله وحده ، وأن غاية العلم ، لا تتجاوز أبدا أكثر من هذه الوقفة على شاطىء الحياة ، بعيدا عن لمس بحرها العميق ..
إن كلّ ما يجريه العلماء من بحوث ، وما يضعونه من موادّ فى مخابيرهم وأنابيبهم ، هو من عناصر الحياة نفسها ، التي خلقها الخالق جلّ وعلا .. وأن هذه الأطياف من الحياة التي تطلّ على العلماء من مخابيرهم وأنابيبهم ، إنما هى من بذور الحياة التي أوجدها الخالق ، وقدّر لها سبلا تسلكها ، لتثمر ثمر الحياة ، فغيّر العلماء سبيلها ، وعدلوا بها عن طريقها المرسوم ، الذي خطّته لها القدرة الإلهية ..!
فإذا نجح العلم فى هذا التدبير ، واستطاع أن يصل إلى شىء من صور الخلق ـ وهيهات ـ فإن ذلك لا يعدو أن يكون نبتة من نبات تلك البذرة التي أوجدها الخالق ، وكل ما كان من العلم والعلماء ، هو أشبه بنقل نبات من تربة غير تربته ، واستنبات نوع من النبات فى غير موطنه.
والذي نحبّ أن ننبه إليه هنا ، هو أن الإسلام ـ شريعة وعقيدة ـ لا ينظر إلى تلك المحاولات التي يحاولها العلم فى حقل الحياة ـ نظرة متكرهة أو معادية ، بل إنه يزكّى هذا البحث العلمي ، ويطلق للإنسان العنان فى البحث والدرس ، وإجراء ما يشاء من التجارب فى عملية الخلق ، فهذا كله قراءة فى كتاب الكون ، وتأمل وتدبّر فى آيات الله .. وما يصل إليه الإنسان من كشوف علمية ، وحقائق كونية ، هو منظور إليه من جانب الإسلام على أنّه رسالة العلم ، فى الكشف عن قدرة الله ، وعلمه ، وحكمته .. الأمر الذي يفتح للناس الطريق إلى الإيمان بالله ، ويجلّى عن عقولهم وقلوبهم غياهب الشك والشرك