قوله تعالى :
(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) ..
هو أيضا تنزيه لله سبحانه وتعالى عن أن يكون كهذه الآلهة التي يعبدها هؤلاء الضالون .. فهذه الآلهة ، هى من مخلوقات الله ، وهى خاضعة لمشيئته فيها ، يصرّفها كيف يشاء ، ويحاسب العاقل منها على ما كان منه .. أما هو سبحانه ، فلا يسأل عما يفعل .. إذ لا يسأله إلا من هو فوقه ، وهو ـ سبحانه ـ فوق كل ذى فوق .. (يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ .. ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٦٨ : القصص).
قوله تعالى :
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً .. قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ .. هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي .. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) ..
(أَمِ) هنا للإضراب ، بمعنى بل ..
والمعنى : أنه مع هذه البديهيّات التي تقع فى متناول كلّ عقل ، والتي تقضى بما لا يدع مجالا للشك ، بأنه لا يمكن أن يكون لهذا الوجود إلا إله واحد ، يقوم عليه ، ويدبّر أمره ـ مع هذا ، فإن هؤلاء الضالين المشركين قد عموا عن هذه البديهيات ، وقصرت أفهامهم عن إدراكها ، وساغ لهم أن يعبدوا أكثر من إله ، وأن يوزّعوا عقولهم وقلوبهم بين أرباب وأشباه أرباب ، ولم يحاولوا أبدا أن يجيبوا على هذا السؤال : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٣٩ : يوسف) .. كما لم يحاولوا أن يقيموا دليلا يقبله العقل ، ويرتضيه المنطق لعبادة هذه الآلهة المتعددة!
وفى قوله تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) دعوة لهؤلاء المشركين أن يرجعوا إلى عقولهم ، وأن يأتوا منها بالدليل والحجة على ما يعبدون من دون الله ..