فَفَتَقْناهُما) أي فصلنا بعضهما عن بعض .. فكانت السماء ، وكانت الأرض. ثم كانت من السموات ما فيهن من عوالم ، وكان من الأرض ما فيها من مخلوقات ..
كانت السموات والأرض كتلة ، أشبه بالنطفة التي يتخلّق منها الجنين .. فمن هذه النطفة كان هذا الإنسان ، بل هذا الكون الصغير ، وكان هذا الخلق السوىّ الذي هو عليه ..
وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ـ إشارة إلى هذا العنصر العظيم من عناصر الحياة ، وهو الماء .. فهو أصل كل حىّ ، وبذرة كل حياة فى عالمنا هذا الذي نعيش فيه .. فالإنسان ، والحيوان ، والنبات ، قوامها جميعا الماء ، الذي به لبست ثوب الحياة ، ومنه تستمد بقاءها ، ووجودها .. فإذا افتقدت الماء عادت إلى عالم الموات ..
وهذه الحقيقة قد أصبحت من مقررات العلم الحديث ، الذي أثبت أن نشأة الحياة على هذه الأرض قد ظهرت أول ما ظهرت على شواطئ الأنهار .. فكانت أول أمرها ظلالا باهتة للحياة ، وإشارة خافته إليها ، ثم أخذت تنمو شيئا فى بوتقة الزمن على مدى ملايين السنين ، حتى ملأت هذه الدنيا ، فى صور متعددة ، وأشكال مختلفة ، لا تكاد تقع تحت حصر.
ـ وفى قوله تعالى : (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) نخسة لهؤلاء الضالين ، أن يتنبهوا ، وأن يوقظوا عقولهم ، ويفتحوا أبصارهم على هذا الوجود ، وما أبدع فيه الخالق وصوّر ..
فلو أنهم أداروا عقولهم على هذا الوجود ، بقلوب سليمة ، ومشاعر متفتحة لا نكشف لهم من أسراره ما يحدّثهم أبلغ الحديث عن قدرة الله ، وعلمه ، وحكمته ، المبثوثة فى كل ذرة من ذرات هذا العالم .. وإذن لآمنوا بالله ،