تولّى أمره ، ودبّر شئونه ، فأنزل هذا الماء الذي هو ملاك حياة كل حىّ ، من نبات وحيوان ..
وأن هذا الماء لم ينزل إلا بحساب ، وتقدير ، فكان على قدر ما يصلح به الناس ، وتصلح به حياتهم .. وأنه لو كان أقلّ مما هو ، لهلك الناس ، وفسدت حياتهم ، ولو كان أكثر مما هو ، لهلك الناس ، وذهب العمران ..
ـ وفى قوله تعالى : (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) ـ إشارة إلى أمور.
أولها : استقرار الماء فى الأرض ، ولزومه إياها ، وجعلها سكنا له ، يألفها ، وتألفه ، فلا ينفصل أحدهما عن الآخر أبدا ، حتى لكأنهما كائنان من عالم الأحياء ، يتزاوجان تزاوج الذكر والأنثى.
وثانيهما : أن إسكان الماء فى الأرض ، إنما هو لرسالة يؤدّيها فى الحياة ، شأنه فى هذا شأن الإنسان ، الذي أسكنه الله هذه الأرض ، وجعله خليفة فيها .. وهذا هو بعض السرّ فى التعبير عن استقرار الماء فى الأرض ، بالسكن فيها.
وثالثهما : أن تعدية الفعل (فَأَسْكَنَّاهُ) بحرف الجرّ «فى» الذي يفيد الظرفية ـ هذه التعدية تعنى جريان الماء فى الأرض ، ونفوذه إلى أعماق بعيدة فيها ، وأنه بهذا يأخذ وضعا متمكنا منها ، بحيث لا يعرض له من العوارض ، ما يجليه عنها ، أو يقطع صلته بها.
ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) إلفات إلى تلك النعمة العظيمة التي لا يكاد يلتفت إليها الناس إلا فى أحوال نادرة ، حيث ينقطع الماء عنهم .. فهذه النعمة التي يجدها الإنسان بين يديه من غير أن يبذل لها جهدا ، هى أثمن وأغلى شىء فى هذه الحياة ، وأن الإنسان ليقدّم كلّ ما يملك فى هذه